تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٩٠
وقيل: حرفوا التوراة فسقطت بشؤم ذلك أشياء منها عن حفظهم، وأخرج ابن المبارك وأحمد في " الزهد " عن ابن مسعود قال: إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها، وفي معنى ذلك قول الشافعي رضي الله تعالى عنه:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور * ونور الله لا يهدى لعاصي * (ولا تزال تطلع على خائنة منهم) * أي خيانة كما قرىء به على أنها مصدر على وزن فاعلة - كالكاذبة، واللاغية - أو فعلة خائنة أي ذات خيانة، وإلى ذلك يشير كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو فرقة خائنة، أو نفس خائنة، أو شخص خائنة على أنه وصف، والتاء للمبالغة لكنها في فاعل قليلة، و * (منهم) * متعلق بمحذوف وقع صفة لها، خلا أن - من - على الوجهين الأولين ابتدائية أي على خيانة، أو فعلة ذات خيانة كائنة منهم صادرة عنهم، وعلى الأوجه الأخر تبعيضية، والمعنى إن الغدر والخيانة عادة مستمرة لهم ولأسلافهم كما يعلم من وصفهم بالتحريف وما معه بحيث لا يكادون يتركونها أو يكتمونها فلا تزال ترى ذلك منهم * (إلا قليلا منهم) * استثناء من الضمير المجرور في * (منهم) *؛ والمراد بالقليل عبد الله بن سلام وأضرابه الذين نصحوا لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجعله بعضهم استثناء من * (خائنة) * على الوجه الثاني، فالمراد بالقليل الفعل القليل: و * (من) * ابتدائية كما مر أي إلا فعلا قليلا كائنا منهم، وقيل: الاستثناء من قوله تعالى: * (وجعلنا قلوبهم قاسية) *.
* (فاعف عنهم واصفح) * أي إذا تابوا أو بذلوا الجزية - كما روي عن الحسن وجعفر بن مبشر - واختاره الطبري، فضمير عنهم راجع إلى ما رجع إليه نظائره، وعن أبي مسلم أنه عائد على القليل المستثنى أي فاعف عنهم ما داموا على عهدك ولم يخونوك، وعلى القولين فالآية محكمة، وقيل: الضمير عائد على ما اختاره الطبري، وهي مطلقة إلا أنها نسخت بقوله تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) * (التوبة: 29) الآية. وروي ذلك عن قتادة، وعن الجبائي أنها منسوخة بقوله تعالى: * (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء) * (الأنفال: 58) * (إن الله يحب المحسنين) * تعليل للأمر وحث على الامتثال وتنبيه على أن العفو على الإطلاق من باب الإحسان.
هذا ومن باب الإشارة في الآيات * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) * أمر بالتطهير لمن أراد الوقوف بين يدي الملك الكبير جل شأنه وعظم سلطانه، وبدأ بالوجه - لأنه سبحانه وتعالى نقشه بنقش خاتم صفاته، وفي " الفتوحات " لا خلاف في أن غسل الوجه فرض وحكمة في الباطن المراقبة والحياء من الله تعالى مطلقا، ثم اختلف الحكم في الظاهر في أن تحديد غسل الوجه في الوضوء في ثلاثة مواضع: منها البياض الذي بين العذار والأذن، والثاني: ما سدل من اللحية، والثالث: تخليل اللحية، فأما البياض المذكور فمن قائل: إنه من الوجه، ومن قائل: إنه ليس من الوجه، وأما ما انسدل من اللحية فمن قائل: بوجوب إمرار الماء عليه، ومن قائل: بأنه لا يجب، وكذلك تخليل اللحية، فمن قائل: بوجوبه، ومن قائل: بأنه لا يجب، وحكم ذلك في الباطن أما غسل الوجه مطلقا من غير نظر إلى تحديد الأمر في ذلك فإن فيه ما هو فرض، وفيه ما هو ليس بفرض، فأما الفرض فالحياء من الله تعالى أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك، وأما السنة
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»