تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١١٢
* (لأقتلنك) * أي والله تعالى لأقتلنك بالنون المشدة، وقرىء بالمخففة.
* (قال) * استئناف كالذي قبله أي قال الذي تقبل قربانه لما رأى حسد أخيه * (إنما يتقبل الله) * أي القربان والطاعة * (من المتقين) * في ذلك بإخلاص النية فيه لله تعالى لا من غيرهم، وليس المراد من التقوى التقوى من الشرك التي هي أول المراتب كما قيل، ومراده من هذا الجواب إنك إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها عن لباس التقوى لا من قبلي، فلم تقتلني ومالك لا تعاتب نفسك ولا تحملها على تقوى الله تعالى التي هي السبب في القبول؟! وهو جواب حكيم مختصر جامع لمعان.
وفيه إشارة إلى أن الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محظوظا لا في إزالة حظه ونعمته، فإن اجتهاده فيما ذكر يضره ولا ينفعه، وقيل: مراده الكناية عن أن لا يمتنع عن حكم الله تعالى بوعيده لأنه متق والمتقي يؤثر الامتثال على الحياة، أو الكناية عن أنه لا يقتله دفعا لقتله لأنه متق فيكون ذلك كالتوطئة لما بعده، ولا يخفى بعده؛ وما أنعى هذه الآية على العاملين أعمالهم، وعن عامر بن عبد الله أنه بكى حين حضرته الوفاة، فقيل له: ما يبكيك، فقد كنت وكنت؟ قال: إني أسمع الله تعالى يقول: * (إنما يتقبل الله من المتقين) *..
* (لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى مآ أنا بباسط يدى إليك لاقتلك إنىأخاف الله رب الع‍المين) *.
* (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) * قيل: كان هابيل أقوى منه ولكن تحرج عن قتله واستسلم له خوفا من الله تعالى لأن المدافعة لم تكن جائزة في ذلك الوقت، وفي تلك الشريعة - كما روي عن مجاهد - وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج - قال: كانت بنو إسرائيل قد كتب عليهم إذا الرجل بسط يده إلى الرجل لا يمتنع منه حتى يقتله أو يدعه، أو تحريا لما هو الأفضل الأكثر ثوابا وهو كونه مقتولا لا قاتلا بالدفع عن نفسه بناءا على جوازه إذ ذاك، قال بعض المحققين: واختلف في هذا الآن على ما بسطه الإمام الجصاص فالصحيح من المذهب أنه يلزم الرجل دفع الفساد عن نفسه وغيره وإن أدى إلى القتل، ولذا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وغيره: إن المعنى في الآية لئن بسطت إلي يدك على سبيل الظلم والابتداء لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك على وجه الظلم والإبتداء، وتكون الآية على ما قاله مجاهد وابن جريج: منسوخة، وهل نسخت قبل شريعتنا أم لا؟ فيه كلام، والدليل عليه قوله تعالى: * (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء) * (الحجرات: 9) وغيره من الآيات والأحاديث، وقيل: إنه لا يلزم ذلك بل يجوز، واستدل بما أخرجه ابن سعد في " الطبقات " عن خباب بن الأرت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ذكر " فتنة القاعدة فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي فإن أدركت ذلك فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل " وأولوه بترك القتال في الفتنة واجتنابها وأول الحديث يدل عليه، وأما من منع ذلك الآن مستدلا بحديث " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " فقد رد بأن المراد به أن يكون كل منهما عزم على قتل أخيه وإن لم يقاتله وتقابلا بهذا القصد انتهى بزيادة.
وعن السيد المرتضى أن الآية ليست من محل النزاع لأن اللام الداخلة على فعل القتل لام كي وهي منبئة عن الإرادة والغرض، ولا شبهة في قبح ذلك أولا وآخرا لأن المدافع إنما يحسن منه المدافعة للظالم طلبا للتخلص من غير أن يقصد إلى قتله، فكأنه قال له: لئن ظلمتني لم أظلمك وإنما قال سبحانه: * (ما أنا بباسط يدي) * في جواب * (لئن بسطت) * للمبالغة في أنه ليس من شأنه ذلك ولا ممن يتصف به، ولذلك أكد النفي
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»