تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٦١
شراب ليلى ومدام مي، فبقوا حيارى مبهوتين لا يميزون الحي من اللي ولا يعرفون الأوقات ولا يقدرون على أداء شرائط الصلوات فكأنهم قيل لهم: يا أيها العارفون بي وبصفاتي وأسمائي السكارى من شراب محبتي وسلسبيل أنسي وتسنيم قدمي وزنجبيل قربي ومدام عشقي وعقار مشاهدتي إذا كشفت لكم جمالي وآنستكم في مقام ربوبيتي فلا تكلفوا نفوسكم أداء الرسوم الظاهرة لأنكم في جنان مشاهدتي، وليس في الجنان تقييد، وإذا سكنتم من سكركم وصرتم صاحين بنعت التمكين فأدوا ما افترضته عليكم وقوموا لله قانتين وحاصله رفع التكليف عن المجذوبين الغارقين في بحار المشاهدة إلى أن يعقلوا ويصحوا، فالإيمان على هذا محمول على الإيمان العيني والمعنى الأول أولى بالإشارة * (ولا جنبا) * أي ولا تقربوا الصلاة في حال كونكم بعداء عن الحق لشدة الميل إلى النفس ولذاتها * (إلا عابري سبيل) * أي سالكي طريق من طرق تمتعاتها بقدر الضرورة كعبور طريق الاغتذاء بالمأكل والمشرب لسد الرمق أو الاكتساء لدفع ضرورة الحر والقر وستر العورة، أو المباشرة لحفظ النسل * (حتى تغتسلوا) * وتتطهروا بمياه التوبة والاستغفار وحسن التنصل والاعتذار * (وإن كنتم مرضى) * بأدواء الرذائل * (أو على سفر) * في بيداء الجهالة والحيرة لطلب الشهوات * (أو جاء أحد منكم من الغائط) * أي الاشتغال بلوث المال ملوثا محبته * (أو لامستم النساء) * أي لازمتم النفوس وباشرتموها في قضاء وطرها * (فلم تجدوا ماء) * علما يهديكم إلى التخلص عن ذلك * (فتيمموا صعيدا طيبا) * أي فاقصدوا صعيد استعدادكم أو ارجعوا إلى المرشدين أرباب الاستعداد * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) * أي امسحوا ذواتكم وصفاتكم بما يتصاعد من أنوار استعدادهم وتخلقوا بأخلاقهم واسلكوا مسالكهم حتى تمحى عنكم تلك الهيئات المهلكة وتبقى أنفسكم صافية * (إن الله كان عفوا) * يعفو عما صدر منكم بمقتضى تلك الهيئات * (غفورا) * (النساء: 43) يستر الشين بالزين * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا) * أي بعضا * (من الكتاب) * وهو اعترافهم بالحق مع احتجابهم برؤية الخلق * (يشترون الضلالة) * ويتركون التوحيد الحقيقي * (ويريدون) * مع ذلك * (أن تضلوا السبيل) * (النساء: 44) الحق وهو التوحيد الصرف وعدم رؤية الأغيار فتكونوا مثلهم * (والله أعلم بأعدائكم) * وعنى بهم أولئك الموصوفين بما ذكر، وسبب عداوتهم لهم اختلاف الأسماء الظاهرة فيهم ولهذا ودوا تكفيرهم * (وكفى بالله وليا) * يلي أموركم بالتوفيق لطريق التوحيد * (وكفى بالله نصيرا) * (النساء: 45) ينصركم على أعدائكم فلا يستطيعون إيذاءكم وردكم عما أنتم عليه من الحق * (من الذين هادوا) * رجعوا عن مقتضى الاستعداد من نفي السوي إلى ما سولت لهم أنفسهم واستنتجته أفكارهم وأيدته أنظارهم ودعت إليه علومهم الرسمية * (يحرفون الكلم عن مواضعه) * يحتمل أن يراد بالكلم معناها الظاهر أي أنهم يؤولون جميع ما يشعر ظاهره بالوحدة على حسب إرادتهم زاعمين أنه لا يمكن أن يكون غير ذلك مرادا لله تعالى لا قصدا ولا تبعا لا عبارة ولا إشارة، ويحتمل أن يراد بها هذه الممكنات فإنها كلم الله تعالى بمعنى الدوال عليه، أو كلمه بمعنى آثار كلمه أعني كن المتعددة حسب تعدد تعلقات الإرادة. ومعنى تحريفها عن مواضعها إمالتها عما وضعها الله تعالى فيه من كونها مظاهر أسمائه فيثبتون لها وجودا غير وجود الله تعالى: * (ويقولون سمعنا) * ما يشعر بالوحدة أو سمعنا ما يقال في هذه الممكنات * (وعصينا) * فلا نقول بما تقولون ولا نعتقد ما تعتقدون * (و) * يقولون أيضا في أثناء مخاطبتهم للعارف مستخفين مستهزئين به * (اسمع) * ما يعارض ما تدعيه * (غير مسمع) * أي لا أسمعك الله * (وراعنا) * يعنون رميه بالرعونة وهي الحماقة * (ليا بألسنتهم وطعنا في الدين) * (النساء: 46) الذي عليه العارف بربه * (يا أيها الذين أوتوا الكتاب) * أي فهموا عليه الظاهر ولم يفهموا ما أشار إليه
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»