عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - وفي رواية أخرى الجبت حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشرف، وفي أخرى الجبت الأصنام، والطاغوت الذين يكونون بين يديها يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس، ومعنى الإيمان بهما إما التصديق بأنهما آلهة وإشراكهما بالعبادة مع الله تعالى، وإما طاعتهما وموافقتهما على ما هما عليه من الباطل، وإما القدر المشترك بين المعنيين كالتعظيم مثلا، والمتبادر المعنى الأول أي أنهم يصدقون بألوهية هذين الباطلين ويشركونهما في العبادة مع الإله الحق ويسجدون لهما.
* (ويقولون للذين كفروا) * أي لأجلهم وفي حقهم فاللام ليست صلة القول وإلا لقيل أنتم بدل قوله سبحانه * (هاؤلاء) * أي الكفار من أهل مكة. * (أهدى من الذين ءامنوا سبيلا) * أي أقوم دينا وأرشد طريقة، قيل: والظاهر أنهم أطلقوا أفعل التفضيل ولم يلحظوا معنى التشريك فيه؛ أو قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء لكفرهم، وإيراد النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه بعنوان الإيمان ليس من قبل القائلين بل من جهة الله تعالى تعريفا لهم بالوصف الجميل وتخطئة لمن رجح عليهم المتصفين بأشنع القبائح..
* (أولائك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا) *.
* (أولائك) * القائلون المبعدون في الضلالة * (الذين لعنهم الله) * أي أبعدهم عن رحمته وطردهم، واسم الإشارة مبتدأ والموصول خبره، والجملة مستأنفة لبيان حالهم وإظهار مآلهم * (ومن يلعن) * أي يبعده * (الله) * من رحمته * (فلن تجد له نصيرا) * أي ناصرا يمنع عنه العذاب دنيويا كان أو أخرويا بشفاعة أو بغيرها، وفيه بيان لحرمانهم ثمرة استنصارهم بمشركي قريش وإيماء إلى وعد المؤمنين بأنهم المنصورون حيث كانوا بضد هؤلاء فهم الذين قربهم الله تعالى ومن يقربه الله تعالى فلن تجد له خاذلا. وفي الإتيان بكلمة - لن - وتوجيه الخطاب إلى كل واحد يصلح له وتوحيد النصير منكرا والتعبير عن عدمه بعدم الوجدان المؤذن بسبق الطلب مسندا إلى المخاطب العام من الدلالة على حرمانهم الأبدي عن الظفر بما أملوا بالكلية ما لا يخفى، وإن اعتبرت المبالغة في - نصير - متوجهة للنفي كما قيل ذلك في قوله سبحانه: * (وما ربك بظلام) * (فصلت: 46) قوى أمر هذه الدلالة.
* (أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا) *.
* (أم لهم نصيب من الملك) * شروع في تفصيل بعض آخر من قبائحهم، و * (أم) * منقطعة فتقدر ببل، والهمزة أي بل آلهم، والمراد إنكار أن يكون لهم نصيب من الملك، وجحد لما تدعيه اليهود من أن الملك يعود إليهم في آخر الزمان. وعن الجبائي أن المراد بالملك ههنا النبوة أي ليس لهم نصيب من النبوة حتى يلزم الناس اتباعهم وإطاعتهم والأول أظهر لقوله تعالى شأنه * (فإذا لا يؤتون الناس) * أي أحدا أو الفقراء أو محمدا صلى الله عليه وسلم وأتباعه - كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما * (نقيرا) * أي شيئا قليلا، وأصله ما أشرنا إليه آنفا. وأخرج ابن جرير من طريق أبي العالية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: هذا النقير فوضع طرف الإبهام على باطن السبابة ثم نقرها. وحاصل المعنى على ما قيل: إنهم لا نصيب لهم من الملك لعدم استحقاقهم له بل لاستحقاقهم حرمانه بسبب أنهم لو أوتوا نصيبا منه لما أعطوا الناس أقل قليل منه، ومن حق من أوتي الملك الإيتاء وهم ليسوا كذلك، فالفاء في * (فإذا) * للسببية والجزائية لشرط محذوف هو أن حصل لهم نصيب لا لو كان لهم نصيب كما قدره الزمخشري لأن الفاء لا تقع في جواب لو سيما مع إذا والمضارع، ويجوز أن تكون الفاء عاطفة والهمزة لإنكار المجموع من المعطوف والمعطوف عليه بمعنى أنه لا ينبغي أن يكون هذا الذي