تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٦٠
النفس ربما تتوهم زوال الإدراك بالاحتراق ولا تستبعد كل الاستبعاد أن تكون مصونة عن التألم والعذاب صيانة بدنها عن الاحتراق قاله مولانا شيخ الإسلام، وقيل: السر في ذلك أن في النضج والتبديل نوع إياس لهم وتجديد حزن على حزن، وأنكر بعضهم نضج الجلود بالمعنى المتبادر وتبديلها زاعما أن التبديل إنما هو للسرابيل التي ذكرها الله سبحانه بقوله: * (سرابيلهم من قطران) * (إبراهيم: 50) وسميت السرابيل جلودا للمجاورة، وفيه أنه ترك للظاهر، ويوشك أن يكون خلاف المعلوم ضرورة، وأن السرابيل لا توصف بالنضج وكأنه ما دعاه إلى هذا الزعم سوى استبعاد القول بالظاهر، وليس هو بالبعيد عن قدرة الله سبحانه وتعالى * (إن الله كان عزيزا) * أي لم يزل منيعا لا يدافع ولا يمانع، وقيل: إنه قادر لا يمتنع عليه ما يريده مما تواعد أو وعد به * (حكيما) * في تدبيره وتقديره وتعذيب من يعذبه؛ والجملة تعليل لما قبلها من الإصلاء والتبديل وإظهار الاسم الجليل لتعليل الحكم مع ما مر مرارا..
* (والذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات سندخلهم جن‍ات تجرى من تحتها الانه‍ار خ‍الدين فيهآ أبدا لهم فيهآ أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا) *.
* (والذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات) * عقب بيان سوء حال الكفرة ببيان حسن حال المؤمنين تكميلا للمساءة والمسرة، وقدم بيان حال الأولين لأن الكلام فيهم، والمراد بالموصول إما المؤمنون بنبينا صلى الله عليه وسلم، وإما ما يعمهم وسائر من آمن من أمم الأنبياء عليهم السلام أي إن الذين آمنوا بما يجب الإيمان به وعملوا الأعمال الحسنة * (سندخلهم جن‍ات تجري من تحتها الأنه‍ار) * قرأ عبد الله - سيدخلهم - بالياء والضمير للاسم الجليل، وفي السين تأكيد للوعد، وفي اختيارها هنا واختيار * (سوف) * في آية الكفر ما لا يخفى.
* (خ‍الدين فيها أبدا) * إعظاما للمنة وهو حال مقدرة من الضمير المنصوب في * (سندخلهم) * وقوله تعالى: * (لهم فيها أزواج مطهرة) * أي من الحيض والنفاس وسائر المعايب والأدناس والأخلاق الدنيئة والطباع الرديئة لا يفعلن ما يوحش أزواجهن ولا يوجد فيهن ما ينفر عنهن، في محل النصب على أنه حال من (جنات )، أو حال ثانية من الضمير المنصوب أو أنه صفة لجنات بعد صفة، أو في محل الرفع على أنه خبر للموصول بعد خبر. والمراد أزواج كثيرة كما تدل عليه الأخبار.
* (وندخلهم ظلا ظليلا) * أي فينانا لا وجوب فيه، ودائما لا تنسخه الشمس وسجسجا لا حر فيه ولا قر، رزقنا الله تعالى التفيؤ فيه برحمته إنه أرحم الراحمين، والمراد بذلك إما حقيقته ولا يمنع منه عدم الشمس وإما أنه إشارة إلى النعمة التامة الدائمة، والظليل صفة مشتقة من لفظ الظل للتأكيد كما هو عادتهم في نحو - يوم أيوم، وليل أليل - وقال الإمام المرزوقي: إنه مجرد لفظ تابع لما اشتق منه وليس له معنى وضعي بل هو - كبسن - في قولك: حسن بسن، وقرىء * (يدخلهم) * بالياء عطف على * (سيدخلهم) * لا على أنه غير الإدخال الأول بالذات بل بالعنوان كما في قوله تعالى: * (ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ) * (هود: 58). هذا ومن باب الإشارة: في الآيات * (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) * خطاب لأهل الإيمان العلمي، ونهي لهم أن يناجوا ربهم أو يقربوا مقام الحضور والمناجاة مع الله سبحانه وتعالى في حال كونهم سكارى خمر الهوى ومحبة الدنيا، أو نوم الغفلة حتى يصحوا ولا يشتغلوا بغير مولاهم، والمقصود النهي عن إشغال القلب بسوى الرب، وقيل: إنه خطاب لأهل المحبة العشق الذين أسكرهم
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»