تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٥
نزلت في حبرين كانا يأتيان رأس المنافقين عبد الله بن أبي ورهطه يثبطانهم عن الإسلام. والمراد من الكتاب التوراة، وقيل: الجنس وتدخل فيه دخولا أوليا وفيه تطويل للمسافة، وقيل: القرآن لأن اليهود علموا أنه كتاب حق أتى به نبي صادق لا شبهة في نبوته، وفيه أنه خلاف الظاهر، وبالذي أوتوه ما بين لهم فيه من الأحكام والعلوم التي من جملتها ما علموه من نعت النبي صلى الله عليه وسلم، والتعبير عن بالنصيب المشعر بأنه حق من حقوقهم التي تجب مراعاتها والمحافظة عليها للإيذان بركاكة آرائهم في الإهمال، والتنوين للتفخيم، وهو مؤيد للتشنيع، ومثله ما لو حمل على التكثير، و * (من) * متعلقة بمحذوف وقع صفة لنصيبا مبينة لفخامته الإضافية إثر فخامته الذاتية، وقيل: متعلقة - بأوتوا - وقوله تعالى: * (يشترون الضل‍الة) * استئناف مبين لمناط التشنيع ومدار التعجيب المفهومين من صدر الكلام مبني على سؤال نشأ منه كأنه قيل: ماذا يصنعون حتى ينظر إليهم؟ فقيل: يختارون الضلالة على الهدى أو يستبدلونها به بعد تمكنهم منه المنزل منزلة الحصول، أو حصوله لهم بالفعل بإنكارهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. وقال الزجاج: المعنى يأخذون الرشا ويحرفون التوراة، فالضلالة هو هذا التحريف أي اشتروها بمال الرشا، وذهب أبو البقاء إلى أن جملة * (يشترون) * حال مقدرة من ضمير * (أوتوا) * أو حال من * (الذين) *، وتعقب الوجه الأول: بأنه لا ريب في أن اعتبار تقدير اشترائهم المذكور في الإيتاء مما لا يليق بالمقام، والثاني: بأنه خال عن إفادة أن مادة التشنيع والتعجيب هو الاشتراء المذكور، وما عطف عليه من قوله تعالى: * (ويريدون أن تضلوا السبيل) * فالأوجه الاستئناف والمعطوف شريك للمعطوف عليه فيما سبق له، والمعنى أنهم لا يكتفون بضلال أنفسهم بل يريدون بما فعلوا من تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وكتم نعوته الناطقة بها التوراة أن تكونوا أنتم أيضا ضالين الطريق المستقيم الموصل إلى الحق، والتعبير بصيغة المضارع في الموضعين للإيذان بالاستمرار التجددي فإن تجدد حكم اشترائهم المذكور وتكرر العمل بموجبه في قوة تجدد نفسه وتكرره، وفي ذلك أيضا من التشنيع ما لا يخفى، وقرىء * (أن يضلوا) * بالياء بفتح الضاد وكسرها..
* (والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا) *.
* (والله أعلم) * منكم أيها المؤمنون * (بأعدآئكم) * الذين من جملتهم هؤلاء، وقد أخبركم بعداوتهم لكم وما يريدون فاحذروهم، فالجملة معترضة للتأكيد وبيان التحذير وإلا فأعملية الله تعالى معلومة، وقيل: المعنى أنه تعالى أعلم بحالهم ومآل أمرهم فلا تلتفتوا إليهم ولا تكونوا في فكر منهم * (وكفى بالله وليا) * يلي أمركم وينفعكم بما شاء * (وكفى بالله نصيرا) * يدفع عنكم مكرهم وشرهم فاكتفوا بولايته ونصرته ولا تبالوا بهم ولا تكونوا في ضيق مما يمكرون؛ وفي ذلك وعد للمؤمنين ووعيد لأعدائهم، والجملة معترضة أيضا، والباء مزيدة في فاعل * (كفى) * تأكيدا للنسبة بما يفيد الاتصال وهو الباء الإلصاقية، وقال الزجاج: إنما دخلت هذه الباء لأن الكلام على معنى اكتفوا بالله، و * (وليا) * و * (نصيرا) * منصوبان على التمييز، وقيل: على الحال، وتكرير الفعل في الجملتين مع إظهار الاسم الجليل لتأكيد كفايته عز وجل مع الإشعار بالعلية..
* (من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا فى الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) *.
* (من الذين هادوا) * قيل: هو بيان - للذين أوتوا - المتناول بحسب المفهوم لأهل الكتابين، وقد وسط بينهما ما وسط لمزيد الاعتناء ببيان محل التشنيع والتعجيب والمسارعة إلى تنفير المؤمنين عنهم والاهتمام بحثهم على
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»