ثلثمائة امرأة وسبعمائة سرية "، وعلى الثاني: فالمراد بهم ذريته كلها فإن تشريف البعض بما ذكر تشريف (للكل لاغتنامهم بآثار ذلك واقتباسهم من أنوار). ومن الناس من فسر الحكمة بالعلم والملك العظيم بالنبوة، ونسب ذلك إلى الحسن ومجاهد، ولا يخفى أن إطلاق الملك العظيم على النبوة في غاية البعد والحمل على المتبادر أولى..
* (فمنهم من ءامن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا) *.
* (فمنهم) * أي من جنس هؤلاء الحاسدين وآبائهم * (من ءامن به) * أي بما أوتي آل إبراهيم * (ومنهم من صد) * أي أعرض * (عنه) * ولم يؤمن به وهذا في رأي حكاية لما صدر عن أسلافهم عقيب وقوع المحكي من غير أن يكون له دخل في الإلزام، وقيل: له دخل في ذلك ببيان أن الحسد لو لم يكن قبيحا لأجمع عليه أسلافهم فلم يؤمن منهم أحد كما أجمعوهم عليه فلم يؤمن أحد منهم، وليس بشيء، وقيل: معناه فمن آل إبراهيم من آمن به ومنهم من كفر، ولم يكن في ذلك توهين أمره فكذلك لا يوهن كفر هؤلاء أمرك فضمير * (به) * و * (عنه) * على هذا لإبراهيم، وفيه تسلية له عليه الصلاة والسلام ورجوع الضميرين لمحمد صلى الله عليه وسلم وجعل الكلام متفرعا على قوله تعالى: * (يا أيها الذين أوتوا الكتاب) * (النساء: 47) أو على قوله سبحانه: * (ألم تر إلى الذين) * الخ في غاية البعد، وكذا جعل الضميرين لما ذكر من حديث آل إبراهيم * (وكفى بجهنم سعيرا) * أي نارا مسعرة موقدة إيقادا شديدا أي إن انصرف عنهم بعض العذاب في الدنيا فقد كفاهم ما أعد لهم من سعير جهنم في العقبى..
* (إن الذين كفروا بااياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما) *.
* (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا) * استئناف وقع كالبيان والتقرير لما قبله، والمراد بالموصول إما الذين كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وإما ما يعمهم وغيرهم ممن كفر بسائر الأنبياء عليهم السلام، ويدخل أولئك دخولا أوليا، وعلى الأول: فالمراد بالآيات إما القرآن أو ما يعم كله وبعضه، أو ما يعم سائر معجزاته عليه الصلاة والسلام، وعلى الثاني: فالمراد بها ما يعم المذكورات وسائر الشواهد التي أتى بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على مدعاهم، و * (سوف) * كما قال سيبويه: كلمة تذكر للتهديد والوعيد، وتنوب عنها السين كما في قوله تعالى: * (سأصليه سقر) * (المدثر: 26) وقد تذكر للوعد كما في قوله سبحانه: * (ولسوف يعطيك ربك فترضى) * (الضحى: 5) و * (سوف أستغفر لكم ربي) * (يوسف: 98)؛ وكثيرا ما تفيد هي والسين توكيد الوعيد، وتنكير * (نارا) * للتفخيم أي: يدخلون ولا بد نارا هائلة * (كلما نضجت جلودهم) * أي احترقت وتهرت وتلاشت، من نضج الثمر واللحم نضجا ونضجا إذا أدرك، و * (كلما) * ظرف زمان والعامل فيه * (بدلناهم جلودا غيرها) * أي أعطيناهم مكان كل جلد محترق عند احتراقه جلدا جديدا مغايرا للمحترق صورة وإن كانت مادته الأصلية موجودة بأن يزال عنه الإحراق فلا يرد أن الجلد الثاني لم يعص فكيف يعذب؟ وذلك لأنه هو العاصي باعتبار أصله فإنه لم يبدل إلا صفته، وعندي أن هذا السؤال مما لا يكاد يسأله عاقل فضلا عن فاضل، وذلك لأن عصيان الجلد وطاعته وتألمه وتلذذه غير معقول لأنه من حيث ذاته لا فرق بينه وبين سائر الجمادات من جهة عدم الإدراك والشعور وهو أشبه الأشياء بالآلة فيد قاتل النفس ظلما مثلا آلة له كالسيف الذي قتل به ولا فرق بينهما إلا بأن اليد حاملة للروح، والسيف ليس كذلك، وهذا لا يصلح وحده سببا لإعادة اليد بذاتها وإحراقها دون إعادة السيف وإحراقه لأن ذلك