تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٤٢
* (فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة) * أي فمن يخاصمه سبحانه عنهم يوم لا يكتمون حديثا ولا يغني عنهم من عذاب الله تعالى شيء * (أم من يكون عليهم) * يومئذ * (وكيلا) * أي حافظا ومحاميا من بأس الله تعالى وعقابه، وأصل معنى الوكيل الشخص الذي توكل الأمور له وتسند إليه، وتفسيره بالحافظ المحامي مجاز من باب استعمال الشيء في لازم معناه، و * (أم) * هذه منقطعة كما قال السمين، وقيل: عاطفة كما نقله في " الدر المصون "، والاستفهام كما قال الكرخي: في الموضعين للنفي أي لا أحد يجادل عنهم ولا أحد يكون عليهم وكيلا..
* (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما) *.
* (ومن يعمل سوءا) * أي شيئا يسوء به غيره كما فعل بشير برفاعة أو طعمة باليهودي * (أو يظلم نفسه) * بما يختص به كالإنكار، وقيل: السوء ما دون الشرك، والظلم الشرك، وقيل: السوء الصغيرة والظلم الكبيرة. * (ثم يستغفر الله) * بالتوبة الصادقة ولو قبل الموت بيسير * (يجد الله غفورا) * لما استغفره منه كائنا ما كان * (رحيما) * متفضلا عليه، وفيه حث لمن فيهم نزلت الآية من المذنبين على التوبة والاستغفار، قيل: وتخويف لمن لم يستغفر لوم يتب بحسب المفهوم فإنه يفيد أن لم يستغفر حرم من رحمته تعالى وابتلي بغضبه..
* (ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما) *.
* (ومن يكسب) * أي يفعل * (إثما) * ذنبا من الذنوب * (فإنما يكسبه على نفسه) * بحيث لا يتعدى ضرره إلى غيرها فليحترز عن تعريضها للعقاب والوبال * (وكان الله عليما) * بكل شيء ومنه الكسب * (حكيما) * في كل ما قدر وقضى، ومن ذلك لا تحمل وازرة وزر أخرى، وقيل: * (عليما) * بالسارق * (حكيما) * في إيجاب القطع عليه، والأولى أولى..
* (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهت‍انا وإثما مبينا) *.
* (ومن يكسب خط‍يئة) * أي صغيرة أو ما لا عمد فيه من الذنوب. وقرأ معاذ بن جبل * (يكسب) * بكسر الكاف والسين المشددة وأصله يكتسب * (أو إثما) * أي كبيرة أو ما كان عن عمد، وقيل: الخطيئة الشرك والإثم ما دونه، وفي " الكشاف " الإثم الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب، والهمزة فيه بدل من الواو كأنه يثم الأعمال أي يكسرها بإحباطه، وفي " الكشف " كأن هذا أصله، ثم استعمل في مطلق الذنب في نحو قوله تعالى: * (كبائر الإثم) * (الشورى: 37)، ومن هذا يعلم ضعف ما ذكره صاحب القيل * (ثم يرم به) * أي يقذف به ويسنده، وتوحيد الضمير لأنه عائد على أحد الأمرين لا على التعيين كأنه قيل: ثم يرم بأحد الأمرين، وقيل: إنه عائد على * (إثما) * فإن المتعاطفين - بأو - يجوز عود الضمير فيما بعدهما على المعطوف عليه نحو * (إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) * (الجمعة: 11) وعلى المعطوف نحو * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها) * (التوبة: 34)، وقيل: إنه عائد على الكسب على حد * (اعدلوا هو أقرب للتقوى) * (المائدة: 8)، وقيل: في الكلام حذف أي - يرم بها وبه - و * (ثم) * للتراخي في الرتبة، وقرىء (يرم) بهما * (بري‍ئا) * مما رماه به ليحمله عقوبة العاجلة كما فعل من عنده الدرع بلبيد بن سهل أو بأبي مليك * (فقد احتمل) * بمافعل من رمى البريء، وقصده تحميل جريرته عليه وهو أبلغ من حمل، وقيل: افتعل بمعنى فعل فاقتدر وقدر * (بهت‍انا) * وهو الكذب على الغير بما يبهت منه ويتحير عند سماعه لفظاعته، وقيل: هو الكذب الذي يتحير في عظمه، والماضي - بهت - كمنع، ويقال في المصدر: بهتا وبهتا وبهتا * (وإثما مبينا) * أي بينا لا مرية فيه ولا خفاء وهو صفة - لإثما - وقد اكتفى في بيان عظم البهتان بالتنكير التفخيمي على أن وصف الإثم بما ذكر بمنزلة وصف البهتان به لأنهما عبارة عن أمر واحد
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»