تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٣٨
في الأرض) * (النساء: 101) ولما كان الضرب اضطرابا وكنى به عن السفر ناسب أن يكنى بالاطمئنان عن الإقامة، وأصله السكون والاستقرار أي إذا استقررتم وسكنتم من السير والسفر في أمصاركم * (فأقيموا الصلواة) * أي أدوا الصلاة التي دخل وقتها وأتموها وعدلوا أركانها وراعوا شروطها وحافظوا على حدودها، وقيل: المعنى فإذا أمنتم فأتموا الصلاة أي جنسها معدلة الأركان ولا تصلوها ماشين أو راكبين أو قاعدين، وهو المروي عن ابن زيد، وقيل: المعنى: فإذا اطمأننتم في الجملة فاقضوا ما صليتم في تلك الأحوال التي هي حال القلق والانزعاج، ونسب إلى الشافعي رضي الله عنه وليس بالصحيح لما علمت من مذهبه * (ولا ينبئك مثل خبير) * (فاطر: 14).
* (إن الصلواة كانت على المؤمنين كت‍ابا) * أي مكتوبا مفروضا * (موقوتا) * محدود الأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها في شيء من الأحوال فلا بد من إقامتها سفرا أيضا، وقيل: المعنى كانت عليهم أمرا مفروضا مقدرا في الحضر بأربع ركعات وفي السفر بركعتين فلا بد أن تؤدى في كل وقت حسبما قدر فيه، واستدل بالآية من حمل الذكر فيما تقدم على الصلاة وأوجبها في حال القتال على خلاف ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه..
* (ولا تهنوا فى ابتغآء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما) *.
* (ولا تهنوا في ابتغاء القوم) * أي لا تضعفوا ولا تتوانوا في طلب الكفار بالقتال. * (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) * تعليل للنهي وتشجيع لهم أي ليس ما ينالكم من الآلام مختصا بكم بل الأمر مشترك بينكم وبينهم ثم إنهم يصبرون على ذلك فما لكم أنتم لا تصبرون مع أنكم أولى بالصبر منهم حيث أنكم ترجون وتطمعون من الله تعالى ما لا يخطر لهم ببال من ظهور دينكم الحق على سائر الأديان الباطلة، ومن الثواب الجزيل والنعيم المقيم في الآخرة. وجوز أن يحمل الرجال على الخوف فالمعنى - إن الألم لا ينبغي أن يمنعكم لأن لكم خوفا من الله تعالى ينبغي أن يحترز عنه فوق الاحتراز عن الألم وليس لهم خوف يلجئهم إلى الألم وهم يختارونه لإعلاء دينهم الباطل فما لكم والوهن - ولا يخلو عن بعد، وأبعد منه ما قيل: إن المعنى أن الألم قدر مشترك وأنكم تعبدون الإله العالم القادر السميع البصير الذي يصح أن يرجى منه، وأنهم يعبدون الأصنام التي لا خيرهن يرجى ولا شرهن يخشى. وقرأ أبو عبدالرحمن الأعرج * (أن تكونوا) * بفتح الهمزة أي لا تهنوا لأن تكونوا تألمون؛ وقوله تعالى: * (فإنهم) * تعليل للنهي عن الوهن لأجله، وقرىء - تئلمون كما يئلمون - بكسر حرف المضارعة، والآية قيل: نزلت في الذهاب إلى بدر الصغرى لموعد أبي سفيان يوم أحد، وقيل: نزلت يوم أحد في الذهاب خلف أبي سفيان وعسكره إلى حمراء الأسد، وروي ذلك عن عكرمة * (وكان الله عليما) * مبالغا في العلم فيعلم مصالحكم وأعمالكم ما تظهرون منها وما تسرون * (حكيما) * فيما يأمر وينهى فجدوا في الامتثال لذلك فإن فيه عواقب حميدة وفوزا بالمطلوب..
* (إنآ أنزلنا إليك الكت‍ابب الحق لتحكم بين الناس بمآ أراك الله ولا تكن للخآئنين خصيما) *.
* (إنا أنزلنا إليك الكت‍ابب الحق) * أخرج غير واحد عن قتادة بن النعمان رضي الله تعالى عنه أنه قال: كان أهل بيت منا يقال لهم: بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر، وكان بشر رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينحله بعض العرب، ويقول: قال فلان كذا، وقال فلان كذا فإذا سمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»