تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٤١
يظلمونها باكتساب المعاصي وارتكاب الآثام، وقيل: الخيانة مجاز عن المضرة ولا بعد فيه، والمراد بالموصول إما السارق أو المودع المكافر وأمثاله، وإما هو ومن عاونه فإنه شريك له في الإثم والخيانة، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو عليه الصلاة والسلام المقصود بالنهي، والنهي عن الشيء لا يقتضي كون المنهي مرتكبا للمنهي عنه، وقد يقال: إن ذلك من قبيل * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * (الزمر: 65) ومن هنا قيل: المعنى لا تجادل أيها الإنسان.
* (إن الله لا يحب من كان خوانا) * كثير الخيانة مفرطا فيها * (أثيما) * منهمكا في الإثم، وتعليق عدم المحبة المراد منه البغض والسخط بصيغة المبالغة ليس لتخصيصه بل لبيان إفراط بني أبيرق وقومهم في الخيانة والإثم. وقال أبو حيان: أتى بصيغة المبالغة فيهما ليخرج منه من وقع منه الإثم والخيانة مرة ومن صدر منه ذلك على سبيل الغفلة وعدم القصد، وليس بشيء، وإرداف الخوان بالإثم قيل: للمبالغة، وقيل: إن الأول: باعتبار السرقة أو إنكار الوديعة، والثاني: باعتبار تهمة البريء، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وقدمت صفة الخيانة على صفة الإثم لأنها سبب له، أو لأن وقوعهما كان ذلك، أو لتواخي الفواصل على ما قيل:.
* (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا) *.
* (يستخفون من الناس) * أي يستترون منهم حياءا وخوفا من ضررهم، وأصل ذلك طلب الخفاء وضمير الجمع عائد على * (الذين يختانون) * (النساء: 107) على الأظهر، والجملة مستأنفة لا موضع لها من الإعراب. وقيل: هي في موضع الحال من * (من) * * (ولا يستخفون من الله) * أي ولا يستحيون منه سبحانه وهو أحق بأن يستحى منه ويخاف من عقابه، وإنما فسر الاستخفاء منه تعالى بالاستحياء لأن الاستتار منه عز شأنه محال فلا فائدة في نفيه ولا معنى للذم في عدمه، وذكر بعض المحققين أن التعبير بذلك من باب المشالكة * (وهو معهم) * على الوجه اللائق بذاته سبحانه، وقيل: المراد أنه تعالى عالم بهم وبأحوالهم فلا طريق إلى الاستخفاء منه تعالى سوى ترك ما يؤاخذ عليه؛ والجملة في موضع الحال من ضمير يستخفون.
* (إذ يبيتون) * أي يدبرون ولما كان أكثر التدبير مما يبيت عبر به عنه والظرف متعلق بما تعلق به قبله، وقيل: متعلق ب * (يستخفون) *. * (ما لا يرضى من القول) * من رمي البريء وشهادة الزور. قال النيسابوري: وتسمية التدبير وهو معنى في النفس قولا لا إشكال فيها عند القائلين بالكلام النفسي؛ وأما عند غيرهم فمجاز، أو لعلهم اجتمعوا في الليل ورتبوا كيفية المكر فسمى الله تعالى كلامهم ذلك بالقول المبيت الذي لا يرضاه سبحانه، وقد تقدم لك في المقدمات ما ينفعك ههنا فتذكر * (وكان الله بما يعملون) * أي بعملهم أو بالذي يعملونه من الأعمال الظاهرة والخافية * (محيطا) * أي حفيظا - كما قال الحسن - أو عالما لا يعزب عنه شيء ولا يفوت - كما قال غيره - وعلى القولين الإحاطة هنا مجاز ونظمها البعض في سلك المتشابه..
* (ه‍اأنتم ه‍اؤلاء ج‍ادلتم عنهم فى الحيواة الدنيا فمن يج‍ادل الله عنهم يوم القي‍امة أم من يكون عليهم وكيلا) *.
* (ه‍اأنتم ه‍اؤلاء) * خطاب للذابين مؤذن بأن تعديد جناياتهم يوجب مشافهتهم بالتوبيخ والتقريع، والجملة مبتدأ وخبر، وقوله سبحانه: * (ج‍ادلتم عنهم في الحيواة الدنيا) * جملة مبينة لوقوع أولاء خبرا فهو بمعنى المجادلين وبه تتم الفائدة، ويجوز أن يكون أولاء إسما موصولا كما هو مذهب بعض النحاة في كل اسم إشارة، و * (جادلتم) * صلته، فالحمل حينئذ ظاهر، والمجادلة أشد المخاصمة وأصلها من الجدل وهو شدة الفتل، ومنه قيل للصقر: أجدل والمعنى هبوا أنكم بذلتم الجهد في المخاصمة عمن أشارت إليه الأخبار في الدنيا.
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»