وما يعبدون بعبادة تلك الأوثان * (إلا شيطانا مريدا) * إذ هو الذي أمرهم بعبادتها وأغراهم فكانت طاعتهم له عبادة فالكلام محمول على المجاز فلا ينافي الحصر السابق، وقيل: المراد من يدعون يطيعون فلا منافاة أيضا. وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان أنه قال: " ليس من صنم إلا فيه شيطان " والظاهر أن المراد من الشيطان هنا إبليس، وهو المروي عن مقاتل وغيره، والمريد والمارد والمتمرد: العاتي الخارج عن الطاعة، وأصل مادة - م رد - للملامسة والتجرد، ومنه * (صرح ممرد) * (النمل: 44) وشجرة مرداء للتي تناثر ورقها، ووصف الشيطان بذلك إما لتجرده للشر أو لتشبيهه بالأملس الذي لا يعلق به شيء، وقيل: لظهور شره كظهور ذقن الأمرد وظهور عيدان الشجرة المرداء..
* (لعنه الله وقال لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) *.
* (لعنه الله) * أي طرده وأبعده عن رحمته، وقيل: المراد باللعنة فعل ما يستحقها به من الاستكبار عن السجود كقولهم: أبيت اللعن أي ما فعلت ما تستحقه به، والجملة في موضع نصب صفة ثانية لشيطان. وجوز أبو البقاء أن تكون مستأنفة على الدعاء فلا موضع لها من الاعراب. * (وقال لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا) * عطف على الجملة المتقدمة، والمراد شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله تعالى وهذا القول الشنيع الصادر منه عند اللعن، وجوز أن تكون في موضع الحال بتقدير قد أي وقد قال، وأن تكون مستأنفة مستطردة كما أن ما قبلها اعتراضية في رأي، والجار والمجرور إما متعلق بالفعل، وإما حال مما بعده، واختاره البعض، والاتخاذ أخذ الشيء على وجه الاختصاص، وأصل معنى الفرض القطع وأطلق هنا على المقدار المعين لاقتطاعه عما سواه، وهو كما أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك، وابن المنذر عن الربيع من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، والظاهر أن هذا القول وقع نطقا من اللعين، وكأنه عليه اللعنة لما نال من آدم عليه السلام ما نال طمع في ولده، وقال ذلك ظنا، وأيد بقوله تعالى: * (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه) * (سبأ: 20)، وقيل: إنه فهم طاعة الكثير له مما فهمت منه الملائكة حين قالوا: * (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) * (البقرة: 30) وادعى بعضهم أن هذا القول حالي كما في قوله: امتلأ الحوض وقال: (قطني * مهلا رويدا قد ملأت بطني) وفي هذه الجمل ما ينادي على جهل المشركين وغاية انحطاط درجتهم عن الانخراط في سلك العقلاء على أتم وجه وأكمله، وفيها توبيخ لهم كما لا يخفى.
* (ولاضلنهم ولأمنينهم ولامرنهم فليبتكن ءاذان الانعام ولامرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا) *.
* (ولأضلنهم) * عن الحق * (ولأمنينهم) * الأماني الباطلة وأقول لهم: ليس وراءكم بعث ولا نشر ولا جنة ولا نار ولا ثواب ولا عقاب فافعلوا ما شئتم، وقيل: أمنيهم بطول البقاء في الدنيا فيسوفون العمل وقيل: أمنيهم بالأهواء بالباطلة الداعية إلى المعصية وأزين لهم شهوات الدنيا وزهراتها وأدعو كلا منهم إلى ما يميل طبعه إليه فأصده بذلك عن الطاعة، وروي الأول عن الكبي * (ولآمرنهم) * بالتبتيك - كما قال أبو حيان - أو بالضلال كما قال غيره * (فليبتكن ءاذان الأنعام) * أي فليقطعنها من أصلها كما روي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه، أو ليشقنها - كما قال الزجاج - بموجب أمري من غير تلعثم في ذلك ولا تأخير كما يؤذن بذلك الفاء، وهذا إشارة إلى ما كانت الجاهلية تفعله من شق أو قطع أذن الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرا وتحريم ركوبها والحمل عليها وسائر وجوه الانتفاع بها.
* (ولآمرنهم فليغيرن) * ممتثلين به بلا ريث * (خلق الله) * عن نهجه صورة أو صفة، ويندرج فيه ما (فعل) من فقء عين فحل الإبل