وهذه - كما رواه الشيخان - صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، وهي أحد الأنواع التي اختارها الشافعي رضي الله تعالى عنه، واستشكل من ستة عشر نوعا، ويمكن حمل الآية عليها، ويكون المراد من السجود الصلاة؛ والمعنى فإذا فرغوا من الصلاة فليكونوا الخ، وأيد ذلك بأنه لا قصور في البيان عليه، وبأن ظاهر قوله سبحانه: * (فليصلوا معك) * أن الطائفة الأخيرة تتم الصلاة مع الإمام، وليس فيه إشعار بحراستها مرة ثانية وهي في الصلاة ألبتة، وتحتمل الآية بل قيل: إنها ظاهرة في ذلك أن الإمام يصلي مرتين كل مرة بفرقة وهي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما رواه الشيخان أيضا - ببطن نخل، واحتمالها للكيفية التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان بعيد جدا، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام - كما قال ابن عباس ورواه عنه أحمد وأبو داود وغيرهما - صف الناس خلفه صفين، ثم ركع فركعوا جميعا، ثم سجد بالصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وهؤلاء إلى مصاف هؤلاء، ثم ركع عليه الصلاة والسلام فركعوا جميعا، ثم رفع فرفعوا ثم سجد هو والصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما جلسوا جلس الآخرون فسجدوا ثم سلم عليهم، ثم انصرف صلى الله عليه وسلم وتمام الكلام يطلب من محله.
* (وليأخذوا) * أي الطائفة الأخرى * (حذرهم) * أي احترازهم وشبهه بما يتحصن به من الآلات ولذا أثبت له الأخذ تخييلا وإلا فهو أمر معنوي لا يتصف بالأخذ، ولا يضر عطف قوله سبحانه: * (وأسلحتهم) * عليه للجمع بين الحقيقة والمجاز لأن التجوز في التخييل في الإثبات والنسبة لا في الطرف على الصحيح، ومثله لا بأس فيه بالجمع كما في قوله تعالى: * (تبوءوا الدار والإيمان) * (الحشر: 9)، وقال بعض المحققين: إن هذا وأمثاله من المشاكلة لما يلزم على الكناية التصريح بطرفيها وإن دفع بأن المشبه به أعم من المذكور، وإن فسر الحذر بما يدفع به فلا كلام، ولعل زيادة الأمر بالحذر - كما قال شيخ الإسلام - في هذه المرة لكونها مظنة لوقوف الكفرة على كون الطائفة القائمة مع النبي صلى الله عليه وسلم في شغل شاغل، وأما قبلها فربما يظنونهم قائمين للحراب.
* (ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة) * بيان لما لأجله أمروا بأخذ السلاح، والخطاب للفريقين بطريق الالتفات أي تمنوا أن ينالوا منكم غرة في صلاتكم فيحملون عليكم جملة واحدة، والمراد بالأمتعة ما يمتع به في الحرب لا مطلقا وقرىء - أمتعاتكم - والأمر للوجوب لقوله تعالى: * (ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم) * حيث رخص لهم في وضعها إذا ثقل عليهم حملها واستصحابها بسبب مطر أو مرض، وأمروا بعد ذلك بالتيقظ والاحتياط فقال سبحانه: * (وخذوا حذركم) * أي بعد إلقاء السلاح للعذر لئلا يهجم عليكم العدو غيلة، واختار بعض أئمة الشافعية أن الأمر للندب، وقيدوه بما إذا لم يخف ضررا يبيح التيمم بترك الحمل، أما لو خاف وجب الحمل على الأوجه ولو كان السلاح نجسا ومانعا للسجود وفي " شرح المنهاج " للعلامة ابن حجر ولو انتفى خوف الضرر وتأذى غيره بحمله كره إن خف الضرر بأن احتمل عادة وإلا حرم، وبه يجمع بين إطلاق كراهته وإطلاق حرمته، والآية كما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في عبد الرحمن بن عوف وكان جريحا، وذكر أبو ضمرة ورواه الكلبي عن أبي صالح أن رسول الله