تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٥٢
تمسكوا بإطلاق الآيات، وأجابوا عن متمسك المخالف، أما عن الأول: فبأن تلك الآيات والأحاديث على تقدير عمومها إنما تدل على الوقوع دون الوجوب، والنزاع فيه على أن كثرة النصوص في العفو تخصص المذنب المغفور عن عمومات الوعيد، وأما عن الثاني: فبأن مجرد جواز العفو لا يوجب ظن عدم العقاب فضلا عن الجزم به، وكيف يوجب جواز العفو العلم بعدم العقاب والعمومات الواردة في الوعيد المقرونة بغاية من التهديد ترجح جانب الوقوع بالنسبة إلى كل واحد وكفى به زاجرا فكيف يكون العلم بجواز العفو تقريرا وإغراءا على الذنب مع هذا الزاجر.
وأيضا إن الكثير من المعتزلة خصوا مثل قوله تعالى: * (إن الله يغفر الذنوب جميعا) * (الزمر: 53) بالصغائر فلو كان جواز العفو مستلزما كما زعموا للعلم بعدم العقاب لزم اشتراك الإلزام بأن يقال: إن المرتكب للصغائر إذا علم أنه لا يعاقب على ذنبه كان ذلك تقريرا له وإغراءا للغير عليه وفيه من الفساد ما فيه، وما جعلوه قرينة على التقييد معارض بما يدل على الإطلاق أعني قوله: * (ولله ما في السموات وما في الأرض) * فإنه معطوف معنى على قوله جل اسمه: * (ليس لك من الأمر شيء) * (آل عمران: 128) ويدل ذلك على أن له سبحانه التصرف المطلق وهو على خلاف ما يقولون حيث جعلوا تصرفه ومشيئته مقيدا بأن يكون على مقتضى الحكمة والحكمة تقتضي عدم غفران من لم يتب ولا يخفى أنه في حيز المنع لأن المشيئة والحكمة كلاهما من صفاته تعالى لا تتبع إحداهما الأخرى وبتقدير الاستتباع لا نسلم أن الحكمة تقتضي عدم غفران من لم يتب على أن تعقيب أو يعذبهم بقوله عز وجل: * (فإنهم ظالمون) * (آل عمران: 128) لا يدل على أكثر من أن الظلم مفض إلى التعذيب ومن يمنع الإفضاء إنما المنع على أن يكون تفسيرا * (لمن يشاء) * وأين الدلالة على أن كل ظلم كذلك ولا عموم للفظ ولا هو من قبيل مفهوم الصفة ليصلح متمسكا في الجملة، وما نقل عن الحسن وعطاء لا يعرف له سند أصلا ومن ادعاه فليأت به إن كان من الصادقين، ومما يدل على كذبه أن فيه حجرا على الرحمة الواسعة وتضييق مسالكها من غير دليل قطعي ولا يظن بمثل الحسن هذا القبيح سلمنا الصدق وعدم لزوم ما ذكر لكن قول الحسن ونحوه لا يترك له ظاهر الكتاب والحق أحق بالاتباع. فإن قال الخصم: نحن نتمسك في هذا المطلب بلزوم الخلف قلنا: يكون رجوعا إلى الاستدلال بالمعقول، وقد أذقناكم الموت الأحمر فيه لا بالآيات فتبقى دلالة هذه الآية على عمومها، وهو مطلوبنا هنا - على أن هذه الآية واردة في الكفار على أكثر الروايات، ومعتقد الجماعة أن المغفرة في حقهم مشروطة بالتوبة من الكفر والرجوع إلى الإيمان كما يفصح عنه قوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (النساء: 48) وليسوا محل خلاف بين الطائفتين فمن استدل بها من المعتزلة على غرضه الفاسد فقد ضل سواء السبيل.
* (والله غفور رحيم) * تذييل مقرر لمضمون قوله تعالى: * (يغفر لمن يشاء) * مع زيادة، وفي تخصيص التذييل به إشارة إلى ترجيح جهة الإحسان والإنعام، وفيه ما يؤيد مذهب الجماعة.
هذا ومن باب الإشارة: * (ليسوا سواء) * من حيث الاستعداد وظهور الحق فيهم * (من أهل الكتاب) * الذين ظهرت فيهم نقوش الكتاب الإلهي الأزلي * (أمة قائمة) * بالله تعالى له * (يتلون آيات الله) * أي يظهرون للمستعدين ما فاض عليهم من الأسرار * (آناء الليل) * أوقات ليل الجهالة وظلمة الحيرة * (وهم يسجدون) * (آل عمران: 113) أي يخضعون لله تعالى ولا يحدث فيهم الأنانية إنهم عالمون وأن من سواهم جاهلون * (يؤمنون بالله واليوم الآخر) *
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»