* (للكافرين) * وهي الطبقة التي اشتد حرها وتضاعف عذابها وهي غير النار التي يدخلها عصاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنها دون ذلك، وفيه إشارة إلى أن أكلة الربا على شفا حفرة الكفرة، ويحتمل أن يقال: إن النار مطلقا مخلوقة للكافرين معدة لهم أولا وبالذات، وغيرهم يدخلها على وجه التبع فالصفة ليست للتخصيص، وإلى هذا ذهب الجل من العلماء، روي عن الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول: إن هذه الآية هي أخوف آية في القرآن حيث أوعد الله تعالى المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه وليس بنص في التخصيص.
* (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) *.
* (وأطيعوا الله) * في جميع ما أمركم به ونهاكم عنه فلا يتكرر مع الأمر بالتقوى السابق * (والرسول) * أي الذي شرع لكم الدين وبلغكم الرسالة فإن طاعته طاعة الله تعالى. * (لعلكم ترحمون) * أي لكي تنالوا رحمة الله تعالى أو راجين رحمته، وعقب الوعيد بالوعد ترهيبا عن المخالفة وترغيبا في الطاعة، قال محمد بن إسحق: هذه الآية معاتبة للذين عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بما أمرهم في أحد ولعلهم الرماة الذين فارقوا المركز.
* (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض أعدت للمتقين) *.
* (وسارعوا) * عطف على * (أطيعوا) * (آل عمران: 132) أو * (اتقوا) * (آل عمران: 131). وقرأ نافع وابن عامر بغير واو على وجه الاستئناف وهي قراءة أهل المدينة والشام، والقراءة المشهورة قراءة أهل مكة والعراق أي بادروا وسابقوا، وقرىء بالأخير * (إلى مغفرة من ربكم وجنة) * أي أسبابهما من الأعمال الصالحة، وعن علي كرم الله تعالى وجهه سارعوا إلى أداء الفرائض، وعن ابن عباس إلى الإسلام، وعن أبي العالية إلى الهجرة، وعن أنس بن مالك إلى التكبيرة الأولى، وعن سعيد بن جبير إلى أداء الطاعات، وعن يمان إلى الصلوات الخمس؛ وعن الضحاك إلى الجهاد، وعن عكرمة إلى التوبة، والظاهر العموم ويدخل فيه سائر الأنواع، وتقديم المغفرة على الجنة لما أن التخلية مقدمة على التحلية، وقيل: لأنها كالسبب لدخول الجنة، و * (من) * متعلقة بمحذوف وقع نعتا - لمغفرة - والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين لإظهار مزيد اللطف بهم ووصف المغفرة بكونها من الرب دون الجنة تعظيما لأمرها وتنويها بشأنها وسبب نزول الآية على ما أخرجه عبد بن حميد وغيره عن عطاء بن أبي رباح " أن المسلمين قالوا: يا رسول الله بنو إسرائيل كانوا أكرم على الله تعالى منا كانوا إذا أذنب أحدهم ذنبا أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة داره اجدع أنفك اجدع أذنك افعل كذا وكذا فسكت صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآيات إلى قوله تعالى: * (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم) * (آل عرمان: 135) الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير من ذلكم ثم تلاها عليهم ".
والتنوين في * (مغفرة) * للتعظيم ويؤيده الوصف، وكذا في * (جنة) * ويؤيده أيضا وصفها بقوله سبحانه: * (عرضها السماوات والأرض) * والمراد كعرض السموات والأرض فهو على حد قوله: حسبت بغام راحلتي عناقا * وما هي ويب غيرك بالعناق فإنه أراد كصوت عناق، والعرض أقصر الامتدادين، وفي ذكره دون ذكر الطول مبالغة، وزاد في المبالغة بحذف أداة التشبيه وتقدير المضاف فليس المقصود تحديد عرضها حتى يمتنع كونها في السماء بل الكلام كناية عن غاية السعة بما هو في تصور السامعين، والعرب كثيرا ما تصف الشيء بالعرض إذا أرادوا وصفه بالسعة، ومنه قولهم: أعرض في المكارم إذا توسع فيها، والمراد من السموات والأرض السموات