إنه بعث الحور من الجنة حتى تزوج بهن أبناء آدم عليه السلام، ويرد عليه أن هذا النسل حينئذ لا يكون محض أولاد آدم وذلك باطل بالإجماع.
* (وأمهاتكم الاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) * عطف على سابقه والرضاعة بفتح الراء مصدر رضع كسمع وضرب، ومثله الرضاعة بالكسر، والرضع بسكون الضاء وفتحها، والرضاع كالسحاب، والرضع كالكتف، وحكوا رضع ككرم، ورضاعا كقتال، وقد تبدل ضاده تاءا، ورضاعا كسؤال لكن المضموم كالمراضعة تقتضي الشركة، ويقال: أرضعت المرأة فهي مرضع إذا كان لها ولد ترضعه فإن وصفتها بإرضاع الولد قلت: مرضعة، ومعناها لغة مص الثدي، وشرعا مص الرضيع من ثدي الآدمية في وقت مخصوص، وأرادوا بذلك وصول اللبن من ثدي المرأة إلى جوف الصغير من فمه أو أنفه في المدة الآتية سواء وجد مص أو لم يوجد، وإنما ذكروا المص لأنه سبب للوصول فأطلقوا السبب وأرادوا المسبب، وقد صرح في " الخانية " أنه لا فرق بين المص والسعوط ونحوه، وقيدوا بالآدمية ليخرج الرجل والبهيمة، وتفرد الإمام البخاري - وهو سبب فتنته في قول - فذهب فيما إذا ارتضع صبي وصبية من ثدي شاة إلى وقوع الحرمة بينهما، وأطلقت لتشمل البكر والثيب الحية والميتة، وقيدنا بالفم والأنف ليخرج ما إذا وصل بالإقطار في الأذن والإحليل والجائفة والآمة بالحقنة في ظاهر الرواية، وخرج بالوصول ما لو أدخلت المرأة حلمة ثديها في فم رضيع ولا تدري أدخل اللبن في حلقه أم لا، لا يحرم النكاح لأن في المانع شكا.
وقد نزل الله سبحانه الرضاعة منزلة النسب حتى سمى المرضعة أما للرضيع، والمراضعة أختا، وكذلك زوج المرضعة أبوه وأبواه جداه وأخته عمته، وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهم إخوته وأخواته لأبيه، وأم المرضعة جدته، وأختها خالته، وكل ولدها من هذا الزوج فهم إخوته وأخواته لأبيه وأمه، ومن ولد لها من غيره فهم إخوته وأخواته لأمه، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم: " يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب ". وذهب كثير من المحققين كمولانا شيخ الإسلام وغيره إلى أن الحديث جار على عمومه وأما أم أخيه لأب وأخت ابنه لأم وأم أم ابنه وأم عمه وأم خاله لأب فليست حرمتهن من جهة النسب حتى يحل بعمومه ضرورة حلهن في صورة الرضاع بل من جهة المصاهرة، ألا يرى أن الأولى: موطوأة أبيه. والثانية: بنت موطوأته. والثالثة: أم موطوأته. والرابعة: موطوأة جده الصحيح. والخامسة: موطوأة جده الفاسد، ووقع في عبارة بعضهم استثناء صور بعد سوق الحديث، وأنهى في " البحر " المسائل المستثنيات إلى إحدى وثمانين مسألة، وأطال الكلام في هذا المقام، وأتى بالعجب العجاب.
وظاهر الآية أنه لا فرق بين قليل الرضاع وهو ما يعلم وصوله إلى الجوف وكثيره في التحريم، وأما خبر مسلم " لا تحرم المصة والمصتان " وما دل على التقدير فمنسوخ صرح بنسخه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حين قيل له: إن الناس يقولون: إن الرضعة لا تحرم فقال: كان ذلك ثم نسخ. وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: آل أمر الرضاع إلى أن قليله وكثيره يحرم، وروي عن ابن عمر أن القليل يحرم، وعنه أنه قيل له: إن الزبير يقول: لا بأس بالرضعة والرضعتين فقال: قضاء الله تعالى خير من