تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٤٢
و * (لا) * إما ناهية على ما قيل والفعل مجزوم بها، والجملة مستأنفة - كما قال أبو البقاء - أو معطوفة على الجملة التي قبلها بناءا على جواز عطف جملة النهي على جملة خبرية كما نسب إلى سيبويه، أو بناءا على أن الجملة الأولى في معنى النهي إذ معناها (لا ترثوا النساء كرها) فإنه غير حلال لكم، وإما نافية مزيدة لتأكيد النفي، والفعل منصوب بالعطف على ترثوا كأنه قيل: لا يحل ميراث النساء (كرها) ولا عضلهن، ويؤيد ذلك قراءة ابن مسعود، (ولا أن تعضلوهن)، - وأما جعل لا نافية غير مزيدة والفعل معطوف على المنصوب قبله - فقد رده بعضهم بأنه إذا عطف فعل منفي - بلا - على مثبت وكانا منصوبين فالقاعدة أن الناصب يقدر بعد حرف العطف لا بعد لا ولو قدرته هنا بعد العاطف على ذلك التقدير فسد المعنى كما لا يخفى، والخطاب في المتعاطفين إما للورثة غير الأزواج فقد كانوا يمنعون المرأة المتوفى عنها زوجها من التزوج لتفتدي بما ورثت من زوجها، أو تعطيهم صداقا أخذته كما كانوا يرثونهن كرها، والمراد - بما آتيتموهن - على هذا ما أتاه جنسكم وإلا لم يلتئم الكلام لأن الورثة ما آتوهن شيئا، وإما للأزواج فإنهم كما كانوا يفعلون ما تقدم كانوا يمسكون النساء من غير حاجة لهم إليهن فيضاروهن ويضيقوا عليهن ليذهبوا ببعض ما آتوهن بأن يختلعن بمهورهن، وإلى هذا ذهب الكثير من المفسرين - وهو المروي عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه - والالتئام عليه ظاهر، وجوز أن يكون الخطاب الأول للورثة، وهذا الخطاب للأزواج، والكلام قد تم بقوله سبحانه: * (كرها) * فلا يرد عليه بعد تسليم القاعدة أنه لا يخاطب في كلام واحد اثنان من غير نداء، فلا يقال: قم واقعد خطابا لزيد. وعمرو، بل يقال: قم يا زيد، واقعد يا عمرو، وقيل: هذا خطاب للأزواج ولكن بعد مفارقتهم منكوحاتهم، فقد أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: كانت قريش بمكة ينكح الرجل منهم المرأة الشريفة فلعلها ما توافقه فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها فإذا خطبها خاطب فإن أعطته وأرضته أذن لها وإلا عضلها. والمراد من قوله سبحانه: * (لتذهبوا) * الخ أن يدفعن إليكم بعض ما آتيتموهن وتأخذوه منهن، وإنما لم يتعرض لفعلهن لكونه لصدوره عن اضطرار منهن بمنزلة العدم، وعبر عن ذلك بالذهاب به لا بالأخذ، والإذهاب للمبالغة في تقبيحه ببيان تضمنه لأمرين كل منهما محظور شنيع الأخذ والإذهاب لأنه عبارة عن الذهاب مصطحبا به؛ وذكر - البعض - ليعلم منه أن الذهاب بالكل أشنع شنيع.
* (إلا أن يأتين بف‍احشة مبينة) * على صيغة الفاعل من بين اللازم بمعنى تبين أو المتعدي، والمفعول محذوف أي مبينة حال صاحبها. وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم * (مبينة) * على صيغة المفعول، وعن ابن عباس أنه قرأ * (مبينة) * على صيغة الفاعل من أبان اللازم بمعنى تبين أو المتعدي، والمراد بالفاحشة هنا النشوز وسوء الخلق - قاله قتادة والضحاك وابن عباس وآخرون - ويؤيده قراءة أبي إلا أن يفحشن عليكم، وفي " الدر المنثور " نسبة هذه القراءة - لكن بدون عليكم - إلى أبي وابن مسعود، وأخرج ابن جرير عن الحسن أن المراد بها الزنا. وحكي ذلك عن أبي قلابة وابن سيرين، والاستثناء قيل: منقطع، وقيل: متصل وهو من ظرف زمان عام أي لا تعضلوهن في وقت من الأوقات إلا وقت إيتائهن الخ، أو من حال عامة أي في حال من الأحوال إلا في هذه الحال، أو من علة عامة أي لا تعضلوهن لعلة من العلل إلا لإيتائهن ولا يأبى هذا ذكر العلة المخصوصة لجواز أن يكون المراد العموم أي للذهاب وغيره، وذكر فرد منه لنكتة أو لأن العلة المذكورة غائية والعامة المقدرة باعثة على الفعل متقدمة عليه في الوجود.
وفي الآية إباحة الخلع عند النشوز لقيام العذر بوجود السبب من جهتهن.
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»