تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٤٩
- على ما ذكره الطبرسي - الأشعث بن قيس ومعيط جد الوليد بن عقبة * (وساء سبيلا) * أي بئس طريقا طريق ذلك النكاح، ففي ساء ضمير مبهم يفسره ما بعده، والمخصوص بالذم محذوف، وذم الطريق مبالغة في ذم سالكها وكناية عنه، ويجوز - واختاره الليث - أن تكون ساء كسائر الأفعال ففيها ضمير يعود إلى ما عاد إليه ضمير به. وسبيلا تمييز محول عن الفاعل، والجملة إما مستأنفة لا محل لها من الإعراب، وإما معطوفة على خبر كان محكية بقول مضمر هو المعطوف في الحقيقة أي ومقولا في حقه ذلك في سائر الأعصار.
قال الإمام الرازي: " مراتب القبح ثلاث: القبح العقلي والقبح الشرعي والقبح العادي، وقد وصف الله سبحانه هذا النكاح بكل ذلك، فقوله سبحانه: * (فاحشة) * إشارة إلى مرتبة قبحه العقلي، وقوله تعالى: * (ومقتا) * إشارة إلى مرتبة قبحه الشرعي، وقوله عز وجل: * (وساء سبيلا) * إشارة إلى مرتبة قبحه العادي، وما اجتمع فيه هذه المراتب فقد بلغ أقصى مراتب القبح "، وأنت تعلم أن كون قوله عز شأنه: * (ومقتا) * إشارة إلى مرتبة قبحه الشرعي ظاهر على تقدير أن يكون المراد (ومقتا) عند الله تعالى، وأما على تقدير أن يكون المراد (ومقتا) عند ذوي المروءات فليس بظاهر، ومن هنا قيل: إن قوله جل شأنه: * (فاحشة) * إشارة إلى القبح الشرعي * (ومقتا) * إشارة إلى العقلي بمعنى المنافرة * (وساء سبيلا) * إلى العرفي، وعندي أن لكل وجها، ولعل ترتيب الإمام أولى من بعض الحيثيات كما لا يخفى، ومما يدل على فظاعة أمره ما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد والحاكم والبيهقي عن البراء قال: لقيت خالي ومعه الراية قلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله.
* (حرمت عليكم أمه‍اتكم وبن‍اتكم وأخواتكم وعم‍اتكم وخ‍ال‍اتكم وبنات الاخ وبنات الاخت وأمه‍اتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمه‍ات نسآئكم وربائبكم الل‍اتى فى حجوركم من نسآئكم الل‍اتى دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحل‍ائل أبنآئكم الذين من أصل‍ابكم وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما) *.
* (حرمت عليكم أمه‍اتكم وبناتكم وأخواتكم وعم‍اتكم وخ‍ال‍اتكم وبنات الأخ وبنات الأخت) * ليس المراد تحريم ذاتهن لأن الحرمة وأخواتها إنما تتعلق بأفعال المكلفين، فالكلام على حذف مضاف بدلالة العقل، والمراد تحريم نكاحهن لأنه معظم ما يقصد منهن ولأنه المتبادر إلى الفهم ولأن ما قبله وما بعده في النكاح، ولو لم يكن المراد هذا كأن تخلل أجنبي بينهما من غير نكتة فلا إجمال في الآية خلافا للكرخي، والجملة إنشائية وليس المقصود منها الإخبار عن التحريم في الزمان الماضي؛ وقال بعض المحققين: لا مانع من كونها إخبارية والفعل الماضي فيها مثله في التعاريف نحو الاسم ما دل على معنى في نفسه ولم يقترن بأحد الأزمنة، والفعل ما دل واقترن، فإنهم صرحوا أن الجملة الماضوية هناك خبرية وإلا لما صح كونها صلة الموصول مع أنه لم يقصد من الفعل فيها الدلالة على الزمان الماضي فقط، وإلا للزم أن يكون حال المعرف في الزمان الحال والمستقبل ليس ذلك الحال، وبنى الفعل لما لم يسم فاعله لأنه لا يشتبه أن المحرم هو الله تعالى.
و * (أمهاتكم) * تعم الجدات كيف كن إذ الأم هي الأصل في الأصل - كأم الكتاب وأم القرى - فتثبت حرمة الجدات بموضوع اللفظ وحقيقته لأن الأم على هذا من قبيل المشكك، وذهب بعضهم إلى أن إطلاق الأم على الجدة مجاز، وأن إثبات حرمة الجدات بالإجماع، والتحقيق أن الأم مراد به الأصل على كل حال لأنه إن استعمل فيه حقيقة فظاهر، وإلا فيجب أن يحكم بإرادته مجازا فتدخل الجدات في عموم المجاز والمعرف لإرادة ذلك في النص الإجماع على حرمتهن.
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»