قدر ما يشبعه هذا محال عادة، فالظاهر أن معدود (خمس فيه إن صح أنها من الخبر) المصات ثم كيف جاز أن يباشر عورتها بشفتيه فلعل المراد أن تحلب له شيئا مقداره مقدار خمس مصات فيشربه - كما قال القاضي - وإلا فهو مشكل، (وقد يقال): هو منسوخ من وجه آخر " لأنه يدل على أن الرضاع في الكبر يوجب التحريم لأن سالما كان إذ ذاك رجلا وهذا مما لم يقل به أحد من الأئمة الأربعة فإن مدة الرضاع التي يتعلق به التحريم ثلاثون شهرا عند الإمام الأعظم، وسنتان عند صاحبيه ومستندهما قوي جدا، وإلى ذلك ذهب الأئمة الثلاثة، وعن مالك: سنتان وشهر، وفي رواية أخرى شهران، وفي أخرى سنتان وأيام، وفي أخرى ما دام محتاجا إلى اللبن غير مستغن عنه، وقال: زفر ثلاث سنين، نعم قال بعضهم: خمس عشرة سنة، وقال آخرون: أربعون سنة، وقال داود: الإرضاع في الكبر محرم أيضا، ولا حد للمدة - وهو مروى عن عائشة رضي الله تعالى عنها - وكانت إذا أرادت أن يدخل عليها أحد من الرجال أمرت أختها أم كلثوم أو بعض بنات أختها أن ترضعه، وروى مسلم عن أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنهن خالفن عائشة في هذا، وعمدة من رأى رأيها في هذا الباب خبر سهلة مع أن الآثار الصحيحة على خلافه، فقد صح مرفوعا وموقوفا " لا رضاع إلا ما كان في حولين " وفي " الموطأ ". و " سنن أبي داود " عن يحيى بن سعيد " أن رجلا سأل أبا موسى الأشعري فقال: إني مصصت من امرأتي ثديها لبنا فذهب في بطني فقال: أبو موسى لا أراها إلا قد حرمت عليك فقال ابن مسعود انظر ما تفتي به الرجل فقال أبو موسى: فما تقول أنت؟ فقال ابن مسعود: لا رضاع إلا في حولين، فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم، وفيه عن ابن عمر جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال: كانت لي وليدة فكنت أصيبها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها فدخلت عليها فقالت: دونك قد والله أرضعتها قال عمر: أرجعها وأت جاريتك فإنما الرضاعة رضاعة الصغر، وروى الترمذي - وقال حديث صحيح - من حديث أم سلمة أنه قال صلى الله عليه وسلم: " لا يحرم من الرضاع إلا فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام " وفي " سنن أبي داود " من حديث ابن مسعود يرفعه " لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم حتى إن عائشة نفسها رضي الله تعالى عنها روت ما يخالف عملها، ففي " الصحيحين " عنها أنها قالت: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل فقال: يا عائشة من هذا؟ فقلت: أخي من الرضاعة فقال: يا عائشة أنظرن من إخوانكم إنما الرضاعة من المجاعة " واعتبر مرويها دون رأيها لظهور غفلتها فيه وعدم وقوع اجتهادها على المحز، ولهذا قيل: يشبه أنها رجعت كما رجع أبو موسى لما تحقق عندها النسخ؛ وحمل كثير من العلماء حديث سهلة على أنه مختص بها وبسالم، وجعلوا أيضا العفو عن مباشرة العورة من الخواص.
هذا ومن غرائب ما وقفت عليه مما يتعلق بهذه الآية عبارة من مقامة للعلامة السيوطي رحمه الله تعالى سماها - " الدوران الفلكي على ابن الكركي " - وفيها يخاطب الفاضل المذكور بما نصه: ماذا صنعت بالسؤال المهم الذي دار في البلد ولم يجب عنه أحد، وهو الفرق بين قوله تعالى: * (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) * وبين ما لو قيل: واللاتي أرضعنكم أمهاتكم حيث رتب على الأول خمس رضعات واردة، ولو قيل: الثاني لاكتفى برضعة واحدة، ولقد ورد علي وسيق إلي فلم أكتب عليه مع أن جوابه نصب عيني، وعتيد لدي لا يحول شيء بينه وبيني لأنظر هل من رجل رشيد أو أحد له في العلم قصر مشيد هلا أبدعت فيه جوابا مسددا، ونوعت فيه طرائق قددا،