تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٥٠
والمراد بالبنات من ولدتها أو ولدت من ولدها؛ وتسمية الثانية بنتا حقيقة باعتبار أن البنت يراد به الفرع - كما قيل به - فيتناولها النص حقيقة أو مجازا عند البعض، أو عند الكل، ومن منع إطلاق البنت على الفرع مطلقا قال: إن ثبوت حرمة بنات الأولاد بالإجماع، وقد يستدل على تحريم الجدات وبنات الأولاد بدلالة النص المحرم للعمات والخالات وبنات الأخ والأخت، ففي الأول: لأن الأشقاء منهن أولاد الجدات فتحريم الجدات وهن أقرب أولى، وفي الثاني: لأن بنات الأولاد أقرب من بنات الأخوة، ثم ظاهر النص يدل على أنه يحرم للرجل بنته من الزنا لأنها بنته، والخطاب إنما هو باللغة العربية ما لم يثبت نقل - كلفظ الصلاة ونحوه - فيصير منقولا شرعيا، وفي ذلك خلاف الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه فقد قال: إن المخلوقة من ماء الزنا تحل للزاني لأنها أجنبية عنه إذ لا يثبت لها توارث ولا غيره من أحكام النسب، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " الولد للفراش " وهو يقتضي حصر النسب في الفراش. وقال بعض الشافعية: تحرم إن أخبره نبي - كعيسى عليه السلام - وقت نزوله بأنها من مائه، ورد عليه بأن الشارع قطع نسبها عنه كما تقرر فلا نظر لكونها من ماء سفاحه، واعترضوا على القائلين بالحرمة بأنهم إما أن يثبتوا كونها بنتا له بناءا على الحقيقة لكونها مخلوقة من مائه، أو بناءا على حكم الشرع، والأول: باطل على مذهبهم طردا وعكسا، أما الأول: فلأنه لو اشترى بكرا وافتضها وحبسها إلى أن تلد فهذا الولد مخلوق من مائه بلا شبهة مع أنه لا يثبت نسبه إلا عند الاستلحاق، وأما الثاني: فلأن المشرقي لو تزوج مغربية وحصل هناك ولد منها مع عدم اجتماعها مع زوجها وحيلولة ما بين المشرق والمغرب بينهما فإنه يثبت النسب مع القطع بأنه غير مخلوق من مائه، والثاني: باطل بإجماع المسلمين على أنه لا نسب لولد الزنا من الزاني ولو انتسب إليه وجب على القاضي منعه، وأجيب باختيار الشق الأول إذ لا خلاف بين أهل اللسان في أن المخلوقة من ماء إنسان بنته سواء كان ذلك الماء ماء حلال أو سفاح والجزئية ثابتة في الصورتين، والظاهر أنها هي مبدأ حرمة النكاح، ألا ترى كيف حرم على المرأة ولدها من الزنا إجماعا، والتفرقة بين المسألتين بأن الولد في المسألة الثانية بعضها، وانفصل منها إنسانا، ولا كذلك البنت في المسألة الأولى لأنها انفصلت منه منيا لا تفيد سوى أن البعضية في المسألة الثانية أظهر، وأما إنها تنفي البعضية في المسألة الأولى فلا لأنهم يطلقون البضعة - وهي تقتضي البعضية - على الولد المنفصل منيا من أبيه، فيقولون: فلان بضعة وفلانة بضعة من فلان، وإنكار وجود الجزئية في المسألتين مكابرة، وعدم ثبوت التوارث مثلا بين المخلوقة من ماء الزنا وصاحب الماء ليس لعدم الجزئية وكونها ليست بنته حقيقة بل للإجماع على ذلك، ولولاه لورثت كما يرث ولد الزنا أمه. وما ذكر في بيان إبطال الطرد من أنه لو اشترى بكرا فافتضها وحبسها فولدت فالولد مخلوق من مائه قطعا مع أنه لا يثبت نسبه إلا بالاستلحاق أخذه من قول الفقهاء في الأمة إذا ولدت عند المولى أنه لا يثبت نسب ولدها منه إلا أن يعترف به، ولا يكفي أنه وطأها فولدت، لكن في " الهداية " وغيرها إن هذا حكم، فأما الديانة بينه وبين الله تعالى - فالمروى عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه - أنه إن كان حين وطئها لم يعزل عنها وحصنها عن مظان ريبة الزنا يلزمه من قبل الله تعالى أن يدعيه بالإجماع لأن الظاهر - والحال هذه - كونه منه، والعمل بالظاهر واجب، وإن كان عزل عنها حصنها أولا أو لم يعزل. ولكن لم يحصنها فتركها تدخل وتخرج بلا رقيب مأمون جاز له أن ينفيه لأن هذا الظاهر - وهو كونه منه بسبب أن الظاهر عدم زنا المسلمة - يعارضه ظاهر آخر وهو كونه من غيره لوجود
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»