* (وما الله بغافل عما تعملون) * (آل عمران: 98، 99) وأنزل في أوس بن قيظي وهبار ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا * (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا) * (آل عمران: 149) الآية، وعلى هذا يكون المراد من أهل الكتاب ظاهرا اليهود. وقيل: المراد منه ما يشمل اليهود والنصارى.
* (والله شهيد على ما تعملون) * جملة حالية العامل فيها * (تكفرون) * وهي مفيدة لتشديد التوبيخ والإظهار في موضع الإضمار لما مر غير مرة والشهيد العالم المطلع، وصيغة المبالغة للمبالغة في الوعيد وجعل الشهيد بمعنى الشاهد تكلف لا داعي إليه، و * (ما) * إما عبارة عن كفرهم، وإما على عمومها وهو داخل فيها دخولا أوليا والمعنى لأي سبب تكفرون، والحال أنه لا يخفى عليه بوجه من الوجوه جميع أعمالكم وهو مجازيكم عليها على أتم وجه ولا مرية في أن هذا مما يسد عليكم طرق الكفر والمعاصي ويقطع أسباب ذلك أصلا.
* (قل ياأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من ءامن تبغونها عوجا وأنتم شهدآء وما الله بغافل عما تعملون) *.
* (قل ياأهل الكتاب لم تصدون) * أي تصرفون * (عن سبيل الله) * أي طريقه الموصلة إليه وهي ملة الإسلام * (من ءامن) * أي بالله وبما جاء من عنده أو من صدق بتلك السبيل وآمن بذلك الدين بالفعل أو بالقوة القريبة منه بأن أراد ذلك وصمم عليه وهو مفعول لتصدون قدم عليه الجار للاهتمام به * (تبغونها) * أي السبيل * (عوجا) * أي اعوجاجا وميلا عن الاستواء ويستعمل مكسور العين في الدين والقول والأرض، ومنه * (لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) * (طه: 107) ويستعمل المفتوح في ميل كل شيء منتضب كالقناة والحائط مثلا وهو أحد مفعولي - تبغون - فإن بغى يتعدى لمفعولين أحدهما: بنفسه والآخر: باللام كما صرح به اللغويون وتعديته للهاء من باب الحذف والإيصال أي تبغون لها كما في قوله: فتولى غلامهم ثم نادى * أظليما أصيدكم أم حمارا أراد أصيد لكم، وقال ابن المنير: " الأحسن جعل الهاء مفعولا من غير حاجة إلى تقدير الجار، و * (عوجا) * حال موقع موع الاسم مبالغة كأنهم طلبوا أن تكون الطريقة القويمة نفس المعوج "، وادعى الطيبي أن فيه نظرا إذ لا يستقيم المعنى إلا على أن يكون * (عوجا) * هو المفعول به لأن مطلوبهم فلا بد من تقدير الجار وفيه تأمل، وقيل: * (عوجا) * حال من فاعل - تبغون - والكلام فيه كالكلام في سابقه، وجملة - تبغون - على كل حال إما حال من ضمير * (تصدون) * أو من - السبيل - وإما مستأنفة جيء بها كالبيان لذلك الصد، والأكثرون على أنه كان بالتحريش والإغراء بين المؤمنين لتختلف كلمتهم ويختل أمر دينهم كما دل عليه ما أوردناه في بيان سبب النزول فعلى هذا يكون المراد بأهل الكتاب هم اليهود أيضا، والتعبير عنهم بهذا العنوان لما تقدم وإعادة الخطاب والاستفهام مبالغة في التقريع والتوبيخ لهم على قبائحهم وتفصيلها ولو قيل: لم تكفرون بآيات الله وتصدون عن سبيل الله؟ لربما توهم أن التوبيخ على مجموع الآمرين، وقيل: الخطاب لأهل الكتاب مطلقا وكان صدهم عن السبيل بهتهم وتغييرهم صفة النبي صلى الله عليه وسلم - وإلى هذا ذهب الحسن وقتادة - وعن السدي كانوا إذا سألهم أحد هل تجدون محمدا في كتبكم؟ قالوا: لا فيصدونه عن الإيمان به وهذا ذم لهم بالإضلال إثر ذمهم بالضلال. وقرىء * (تصدون) * من أصد.
* (وأنتم شهداء) * حال إما من فاعل * (تصدون) * أو من فاعل - تبغون - والاستنئاف خلاف الظاهر أي كيف تفعلون هذا وأنتم علماء عارفون بتقدم البشارة به صلى الله عليه وسلم مطلعون