تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٢٦
لا يردان الأم عن الثلث وتلا الآية، ثم قال: والأخوان ليسا بلسان قومك أخوة فقال عثمان: لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس، وقال الجمهور: إن حكم الإثنين في باب الميراث حكم الجماعة، ألا يرى أن البنتين كالبنات، والأختين كالأخوات في استحقاق الثلثين فكذا في الحجب؛ وأيضا معنى الجمع المطلق مشترك بين الإثنين وما فوقهما، وهذا المقام يناسب الدلالة على الجمع المطلق فدل بلفظ الأخوة عليه بل قال جمع إن صيغة الجمع حقيقة في الإثنين كما فيما فوقهما في كلام العرب، فقد أخرج الحاكم والبيهقي في " سننه " عن زيد بن ثابت أنه كان يحجب الأم بالأخوين فقالوا له: يا أبا سعيد إن الله تعالى يقول: * (فإن كان له إخوة) * وأنت تحجبها بأخوين فقال: إن العرب تسمى الأخوين أخوة، وهذا يعارض الخبر السابق عن ابن عباس فإنه صريح في أن صيغة الجمع لا تقال على اثنين في لغة العرب، وعثمان رضي الله تعالى عنه سلم ذلك إلا أنه احتج بأن إطلاق الإخوة على الأعم كان إجماعا. ومن هنا اختلف الناس في مدلول صيغة الجمع حقيقة، وصرح بعض الأصوليين أنها في الإثنين في المواريث والوصايا ملحقة بالحقيقة، والنحاة على خلاف ذلك، وخالف ابن عباس أيضا في توريث الأم السدس مع الإناث الخلص لأن الأخوة جمع أخ فلا يشمل الأخت إلا بطريق التغليب، والخلص لا ذكور معهم فيغلبون وهو كلام متين إلا أن العمل على اختلافه اعتبارا لوصف الأخوة في الآية للإجماع على ذلك قبل ظهور خلاف ابن عباس وخرق الإجماع إنما يحرم على من لم يكن موجودا عنده.
وذهب الزيدية والإمامية إلى أن الأخوة لأم لا يحجبونها بخلاف غيرهم فإن الحجب ههنا بمعنى معقول كما يشير إليه كلام قتادة، وهو أنه إن كان هناك أخوة لأب وأم أو لأب فقد كثر عيال الأب فيحتاج إلى زيادة مال للإنفاق، وهذا المعنى لا يوجد فيما إذا كان الأخوة لأم إذ ليس نفقتهم على الأب، والجمهور ذهبوا إلى عدم الفرق لأن الاسم حقيقة في الأصناف الثلاثة، وهذا حكم غير معقول المعنى ثبت بالنص، ألا يرى أنهم يحجبون الأم بعد موت الأب ولا نفقة عليه بعد موته ويحجبونها كبارا أيضا وليست عليه نفقتهم، ثم الشائع المعلوم من خارج أو من الآية في رأي أن الأخوة يحجبون الأم حجب نقصان، وإن كانوا محجوبين بالأب حجب حرمان، ويعود السدس الذي حجبوها عنه للأب - وهو مذهب جمهور الصحابة أيضا - ويروى عن ابن عباس أنه للأخوة لأنهم إنما حجبوها عنه ليأخذوه فإن غير الوارث لا يحجب كما إذا كانت الأخوة كفارا أو أرقاء، وقد يستدل عليه بما رواه طاوس مرسلا أنه عليه الصلاة والسلام أعطى الأخوة السدس مع الأبوين.
وللجمهور - كما قال الشريف - إن صدر الكلام يدل على أن لأمه الثلث والباقي للأب فكذا الحال في آخره كأنه قيل: فإن كان له أخوة وورثه أبواه فلأمه السدس ولأبيه الباقي، ثم إن شرط الحاجب أن يكون وارثا في حق من يحجبه، والأخ المسلم وارث في حق الأم بخلاف الرقيق والكافر، فالأخوة يحجبونها وهم يحجبون بالأب، ألا يرى أنهم لا يرثون مع الأب شيئا عند عدم الأم لأنهم كلالة فلا ميراث لهم مع الوالد، وليس حال الأخوة مع الأم بأقوى من حالهم مع عدمها، وقد روي عن طاوس أنه قال: لقيت ابن رجل من الأخوة الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس مع الأبوين وسألته عن ذلك فقال: كان ذلك وصية وحينئذ صار الحديث دليلا للجمهور إذ لا وصية لوارث، والظاهر أنه لا صحة لهذه الرواية عن ابن عباس لأنه يوافق الصديق رضي الله تعالى عنه في حجب الجد للأخوة فكيف يقول بإرثهم مع الأب كذا في " شرح الإمام السرخسي "، وفي " الدر المنثور " أن ابن جرير. وعبد الرزاق.
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»