رضي الله تعالى عنه بأنه لو استفيد من قوله سبحانه * (فوق اثنتين) * أن حال الإثنتين ليس حال الجماعة بناءا على مفهوم الصفة فهو معارض بأنه يستفاد من واحدة أن حالهما ليس حال الواحدة لمفهوم العدد وقد قيل به، وأجيب بالفرق بينهما فإن النساء ظاهر فيما فوقهما فلما أكد به صار محكما في التخصيص بخلاف * (وإن كانت واحدة) * وأورد عليه بأن هذا إنما يتم على تقدير كون الظرف صفة مؤكدة لا خبرا بعد خبر، وأجيب بأن قوله سبحانه: * (نساء) * ظاهر في كونها فوق اثنتين فعدم الاكتفاء به والإتيان بخبر بعده يدل دلالة صريحة على أن الحكم مقيد به لا يتجاوزه، وأيضا مما ينصر الحبر أن الدليلين لما تعارضا دار أمر البنتين بين الثلثين والنصف، والمتيقن هو النصف، والزائد مشكوك غير ثابت، فتعين المصير إليه، ولا يخفى أن الحديث الصحيح الذي سلف يهدم أمر التمسك بمثل هذه العرى، ولعله لم يبلغه رضي الله تعالى عنه ذلك - كما قيل - فقال ما قال، وفي " شرح الينبوع " نقلا عن الشريف شمس الدين الأرموني أنه قال في " شرح فرائض الوسيط ": صح رجوع ابن عباس رضي الله تعالى عنه عن ذلك فصار إجماعا؛ وعليه فيحتمل أنه بلغه الحديث، أو أنه أمعن النظر في الآية ففهم منها ما عليه الجمهور فرجع إلى وفاقهم. وحكاية النظام عنه رضي الله تعالى عنه في كتاب " النكت " أنه قال: للبنتين نصف وقيراط لأن للواحدة النصف ولما فوق الاثنتين الثلثين فينبغي أن يكون للبنتين ما بينهما مما لا تكاد تصح فافهم.
* (ولأبويه) * أي الميت ذكرا كان أو أنثى غير النظم الكريم لعدم اختصاص حكمه بما قبله من الصور بل هو في الحقيقة شروع في إرث الأصول بعد ذكر إرث الفروع، والمراد من الأبوين الأب والأم تغليبا للفظ الأب، ولا يجوز أن يقال في ابن وبنت ابنان للإيهام فإن لم يوهم جاز ذلك كما قاله الزجاج * (لكل واحد منهما) * بدل من * (لأبويه) * بتكرير العامل، وسط بين المبتدأ وهو قوله تعالى: * (السدس) * والخبر، وهو لأبويه - وزعم ابن المنير " أن في إعرابه بدلا نظرا، وذلك أنه يكون على هذا التقدير من بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة، ويكون أصل الكلام - والسدس - لأبويه لكل واحد منهما ومقتضى الاقتصار على المبدل منه التشريك بينهما في السدس كما قال سبحانه: * (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) * فاقتضى اشتراكهن فيه، ومقتضى البدل لو قدر إهدار الأول إفراد كل واحد منهما بالسدس وعدم التشريك، وهذا يناقض حقيقة هذا النوع من البدل إذ يلزم فيه أن يكون مؤدى المبدل منه والبدل واحدا، وإنما فائدته التأكيد بمجموع الإسمين لا غير بلا زيادة معنى فإذا تحقق ما بينهما من التباين تعذرت البدلية المذكورة وليس من بدل التقسيم أيضا على هذا الإعراب، وإلا لزم زيادة معنى في البدل، فالوجه (والله أعلم) أن يقدر مبتدأ (محذوف كأنه قيل): ولأبويه الثلث ثم لما ذكر نصيبهما مجملا فصله بقوله: * (لكل واحد منهما السدس) * وساغ حذف المبتدأ لدلالة التفصيل عليه ضرورة إذ يلزم من استحقاق كل واحد منهما السدس استحقاقهما معا للثلث "، ورده أبو حيان " بأن هذا بدل بعض من كل ولذلك أتى بالضمير، ولا يتوهم أنه بدل شيء من شيء وهما لعين واحدة لجواز أبواك يصنعان كذا، وامتناع أبواك كل واحد منهما يصنعان كذا، بل تقول: يصنع كذا " إلا أنه اعترض على جعل لأبويه خبر المبتدأ بأن البدل هو الذي يكون خبر المبتدأ في أمثال ذلك دون المبدل منه كما في المثال، وتعقبه الحلبي بأن في هذه المناقشة نظرا لأنه إذا قيل لك: ما محل لأبويه من الإعراب؟ تضطر إلى أن تقول: إنه في محل رفع على أنه خبر مقدم،