تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٢١
ادعيت ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسمها فيعطي الفقراء والمساكين وابن السبيل بعد أن يؤتي منها قوتكم فما أنتم صانعون بها؟ فقالت: أفعل فيها كما كان أبي صلى الله عليه وسلم يفعل فيها فقال لك الله تعالى أن أفعل فيها ما كان يفعل أبوك، فقالت: والله لتفعلن؟ فقال: والله لأفعلن ذلك فقالت: اللهم اشهد ورضيت بذلك، وأخذت العهد عليه فكان أبو بكر يعطيهم منها قوتهم ويقسم الباقي بين الفقراء والمساكين وابن السبيل، وبقي الكلام في سبب عدم تمكينها رضي الله تعالى عنها من التصرف فيها، وقد كان دفع الالتباس وسد باب الطلب المنجر إلى كسر كثير من القلوب، أو تضييق الأمر على المسلمين. وقد ورد " المؤمن إذا ابتلي ببليتين اختار أهونهما " على أن رضا الزهراء رضي الله تعالى عنها بعد على الصديق سد باب الطعن عليه أصاب في المنع أم لم يصب، وسبحان الموفق للصواب والعاصم أنبياءه عن الخطأ في فصل الخطاب.
* (فإن كن نساء) * الضمير للأولاد مطلقا والخبر مفيد بلا تأويل، ولزوم تغليب الإناث على الذكور لا يضر لأن ذلك مما صرحوا بجوازه مراعاة للخبر ومشاكلة له، ويجوز أن يعود إلى المولودات أو البنات التي في ضمن مطلق الأولاد، والمعنى فإن كانت المولودات أو البنات نساءا خلصا ليس معهن ذكر، وبهذا يفيد الحمل وإلا لاتحد الاسم والخبر فلا يفيد على أن قوله تعالى: * (فوق اثنتين) * إذا جعل صفة - لنساء - فهو محل الفائدة، وأوجب ذلك أبو حيان فلم يجز ما أجازه غير واحد من كونه خبرا ثانيا ظنا منه عدم إفادة الحمل حينئذ وهو من بعض الظن كما علمت، وجوز الزمخشري أن تكون كان تامة، والضمير مبهم مفسر بالمنصوب على أنه تمييز ولم يرتضه النحاة لأن - كان - ليست من الأفعال التي يكون فاعلها مضمرا يفسره ما بعده لاختصاصه بباب نعم، والتنازع - كما قاله الشهاب - والمراد من الفوقية زيادة العدد لا الفوقية الحقيقية، وفائدة ذكر ذلك التصريح بعدم اختصاص المراد بعدد دون عدد أي فإن كن نساء زائدات على اثنتين بالغات ما بلغن. * (فلهن ثلثا ما ترك) * أي المتوفى منكم وأضمر لدلالة الكلام عليه، ومثله شائع سائغ * (وإن كانت) * أي المولودة المفهومة من الكلام * (واحدة) * أي امرأة واحدة ليس معها أخ ولا أخت. وقرأ نافع وأهل المدينة * (واحدة) * بالرفع على أن كان تامة والمرفوع فاعل لها، ورجحت قراءة النصب بأنها أوفق بما قبل، وقال ابن تمجيد: القراءة بالرفع أولى وأنسب للنظم لتفكك النظم في قراءة النصب بحسب الظاهر، فإنه إن كان ضمير كان راجعا إلى الأولاد فسد المعنى كما هو ظاهر، وإن كان راجعا إلى المولودة كما قالوه يلزم الإضمار قبل الذكر، وكلا الأمرين مرتفع على قراءة الرفع إذ المعنى وإن وجدت بنت واحدة من تلك الأولاد، والمحققون لا ينكرون مثل هذا الإضمار كما علمت آنفا * (فلها النصف) * أي مما ترك وترك اكتفاءا بالأول والنصف مثلث كما في " القاموس " أحد شقي الشيء، وقرأ زيد بن ثابت * (النصف) * بضم النون وهي لغة أهل الحجاز، وذكر أنها أقيس لأنك تقول: الثلث والربع والخمس وهكذا وكلها مضمومة الأوائل.
وأخذ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بظاهر الآية فجعل الثلثين لما زاد على البنتين كالثلاث فأكثر، وجعل نصيب الإثنتين النصف كنصيب الواحدة، وجمهور الصحابة والأئمة والإمامية على خلافه حيث حكموا بأن للإثنتين وما فهوقهما الثلثين، وأن النصف إنما هو للواحدة فقط، ووجه ذلك - على ما قاله القطب - أنه لما تبين أن
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»