أي وكنتم على طرف حفرة من جهنم إذ لم يكن بينكم وبينها إلا الموت وتفسير الشفا بالطرف مأثور عن السدي في الآية ووارد عن العرب ويثني على شفوان ويجمع على أشفاء ويضاف إلى الأعلى كشفا جرف هار (التوبة: 109) وإلى الأسفل قيل: كما هنا وكون المراد من النار ما ذكرنا هو الظاهر وحملها على نار الحرب بعيد * (فأنقذكم منها) * أي بمحمد صلى الله عليه وسلم - قاله ابن عباس - والضمير المجرور عائد إما على * (النار) *، أو على حفرة أو على شفا لأنه بمعنى الشفة، أو لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه كما في قوله: وتشرق بالقول الذي قد أذعته * كما شرقت صدر القناة من الدم فإن المضاف يكتسب التأنيث من المضاف إليه إذا كان بعضا منه أو فعلا له أو صفة كما صرحوا به وما نحن فيه من الأول، ومن أطلق لزمه جواز قامت غلام هند، واختار الزمخشري الاحتمال الأخير، وقال ابن المنير: " وعود الضمير إلى الحفرة أتم لأنها التي يمتن بالانقاذ منها حقيقة، وأما الامتنان بالانقاذ من الشفا قلما يستلزمه الكون على الشفا غالبا من الهوي إلى الحفرة فيكون الانقاذ من الشفا إنقاذا من الحفرة التي يتوقع الهوي فيها فإضافة المنة إلى الإنقاذ من الحفرة (تكون) أبلغ وأوقع مع أن اكتساب التأنيث من المضاف إليه قد عده أبو علي في " التعاليق " من ضرورة الشعر خلاف رأيه في " الإيضاح "، وما حمل الزمخشري على إعادة الضمير إلى الشفا إلا أنه هو الذي كانوا عليه ولم يكونوا في الحفرة حتى يمتن عليهم بالإنقاذ من الحفرة، وقد علم أنهم كانوا صائرين إليها (غالبا) (1) لولا الانقاذ الرباني (فبولغ في الامتنان بذلك) ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم: " الراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه " وإلى قوله تعالى: * (أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم) * (التوبة: 109) فانظر كيف جعل تعالى كون البنيان على الشفا سبيا مؤديا إلى انهياره في نار جهنم مع تأكيد ذلك بقوله سبحانه: * (هار) * " انتهى، ومنه يعلم ما في قول أبي حيان (في البحر " 3 19): من " أنه لا يحسن عوده إلا إلى الشفا لأن كينونتهم عليه هو أحد جزأي الإسناد فالضمير لا يعود إلا إليه لا على الحفرة لأنها غير محدث عنها ولا على النار لأنه إنما جيء بها لتخصيص الحفرة. وأيضا فالإنقاذ من الشفا أبلغ من الإنقاذ من الحفرة ومن النار (لأن الإنقاد منه يستلزم الإنقاد من الحفرة ومن النار)، والإنقاذ منهما لا يستلزم الانقاذ من الشفا فعوده على الشفا هو الظاهر من حيث اللفظ ومن حيث المعنى، نعم ما ذكره من أن عوده على الشفا هو الظاهر من حيث اللفظ ظاهر بناءا على أن الأصل أن يعود الضمير على المضاف دون المضاف إليه إذا صلح لكل منهما ولو بتأويل إلا أنه قد يترك ذلك فيعود على المضاف إليه إما مطلقا - كما هو قول ابن المنير - أو بشرط كونه بعضه أو كبعضه كقول جرير:
أرى مر السنين (أخذن) مني فإن مر السنين من جنسها، وإليه ذهب الواحدي والشرط موجود فيما نحن فيه.
* (كذالك) * أي مثل ذلك التبيين الواضح * (يبين الله لكم ءاياته) * أي دلائله فيما أمركم به ونهاكم عنه * (لعلكم تهتدون) * أي لكي تدوموا على الهدى وازديادكم فيه كما يشعر به كون الخطاب للمؤمنين أو صيغة المضارع من الافتعال.
* (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولائك هم المفلحون) * * (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) * أمرهم سبحانه بتكميل الغير إثر أمرهم بتكميل النفس ليكونوا هادين مهديين على ضد أعدائهم فإن ما قص الله تعالى من حالهم فيما سبق يدل على أنهم ضالون مضلون، والجمهور على إسكان لام الأمر، وقرىء بكسرها على الأصل، و (تكن) إما من كان التامة فتكون * (أمة) * فاعلا وجملة * (يدعون) * صفته و * (منكم) * متعلق - بتكن - أو بمحذوف على أن يكون صفة - لأمة - قدم