* (ومن يعتصم بالله) * إما أن يقدر مضاف أي ومن يعتصم بدين الله؛ والاعتصام بمعنى التمسك استعارة تبعية، وإما أن لا يقدر فيجعل الاعتصام بالله استعارة للالتجاء إليه سبحانه قال الطيبي: وعلى الأول: تكون الجملة معطوفة على * (وأنتم تتلى عليكم) * أي كيف تكفرون أي والحال أن القرآن يتلى عليكم وأنتم عالمون بحال المعتصم به جل شأنه، وعلى الثاني: تكون تذييلا لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا) * (آل عمران: 100) الخ لأن مضمونه أنكم إنما تطيعونهم لما تخافون من شرورهم ومكايدهم فلا تخافوهم والتجئوا إلى الله تعالى في دفع شرورهم ولا تطيعوهم أما علمتم أن من التجأ إلى الله تعالى كفاه شر ما يخافه، فعلى الأول: جيء بهذه الجملة لإنكار الكفر مع هذا الصارف القوي المفهوم من قوله تعالى: * (وأنتم تتلى عليكم) * الخ، وعلى الثاني: للحث على الالتجاء، ويحتمل على الأول التذييل، وعلى الثاني الحال أيضا فافهم، و * (من) * شرطية.
وقوله تعالى: * (فقد هدي إلى صراط مستقيم) * جواب الشرط ولكونه ماضيا مع قد أفاد الكلام تحقق الهدى حتى كأنه قد حصل، قيل: والتنوين للتفخيم ووصف الصراط بالاستقامة للتصريح بالرد على الذين يبغون له عوجا، والصراط المستقيم وإن كان هو الدين الحق في الحقيقة والاهتداء إليه هو الاعتصام به بعينه لكن لما اختلف الاعتباران وكان العنوان الأخير مما يتنافس فيه المتنافسون أبرز في معرض الجواب للحث والترغيب على طريقة قوله تعالى: * (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) * (آل عمران: 185) انتهى.
وأنت تعلم أن هذا على ما فيه إنما يحتاج إليه على تقدير أن يكون المراد من الاعتصام بالله الإيمان به سبحانه والتمسك بدينه كما قاله ابن جريج، وأما إذا كان المراد منه الثقة بالله تعالى والتوكل عليه والالتجاء إليه كما روي عن أبي العالية فيبعد الاحتياج، وعلى هذا يكون المراد من الاهتداء إلى الصراط المستقيم النجاة والظفر بالمخرج، فقد أخرج الحكيم الترمذي عن الزهري قال: أوحى الله تعالى (إلى) داود عليه السلام ما من عبد يعتصم بي من دون خلقي وتكيده السموات والأرض إلا جعلت له من ذلك مخرجا، وما من عبد يعتصم بمخلوق من دوني إلا قطعت أسباب السماء بين يديه وأسخت الأرض من تحت قدميه.
(ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) *.
* (يأيها الذين ءامنوا) * كرر الخطاب بهذا العنوان تشريفا لهم ولا يخفى ما في تكراره من اللطف بعد تكرار خطاب الذين أوتوا الكتاب * (اتقوا الله حق تقاته) * أي حق تقواه، روى غير واحد عن ابن مسعود موقوفا ومرفوعا هو أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر، وادعى كثير نسخ هذه الآية وروي ذلك عن ابن مسعود. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تعالى تخفيفا على المسلمين * (فاتقوا الله ما استطعتم) * (التغابن: 16) فنسخت الآية الأولى، ومثله عن أنس وقتادة وإحدى الروايتين عن ابن عباس، روى ابن جرير من بعض الطرق عنه أنه قال: لم تنسخ ولكن * (حق تقاته) * أن يجاهدوا في الله حق جهاده ولا تأخذهم في الله تعالى لومة لائم ويقوموا لله سبحانه بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم، ومن قال بالنسخ جنح إلى أن المراد من * (حق تقاته) * ما يحق له ويليق بجلاله وعظمته وذلك غير ممكن وما قدروا الله حق قدره، ومن قال بعدم النسخ جنح إلى أن * (حق) * من حق الشيء بمعنى وجب وثبت، والإضافة من باب إضافة الصفة إلى موصوفها وأن الأصل اتقوا الله اتقاءا حقا أي