تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٧٩
ومنها أن في آل عمران ذكر قصة أحد مستوفاة، وفي هذه السورة ذكر ذيلها، وهو قوله تعالى: * (فما لكم في المنافقين فئتين) * (النساء: 88) فإنه نزل فيما يتعلق بتلك الغزوة على ما ستسمعه إن شاء الله تعالى مرويا عن البخاري ومسلم وغيرهما، ومنها أن في آل عمران ذكر الغزوة التي بعد أحد كما أشرنا إليه في قوله تعالى: * (الذين استجابوا لله والرسول) * (آل عمران: 173) الخ، وأشير إليها ههنا بقوله سبحانه: * (ولا تهنوا في ابتغاء القوم) * (النساء: 104) الآية، وبهذين الوجهين يعرف أن تأخير النساء عن آل عمران أنسب من تقديمها عليها كما في مصحف ابن مسعود لأن المذكور هنا ذيل لما ذكر هناك وتابع فكان الأنسب فيه التأخير، ومن أمعن نظره وجد كثيرا مما ذكر في هذه السورة مفصلا لما ذكر فيما قبلها فحينئذ يظهر مزيد الارتباط وغاية الاحتباك.
* (ياأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونسآء واتقوا الله الذى تسآءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا) *.
* (بسم الله الرحمن الرحيم * (ياايها الناس) * خطاب يعم المكلفين من لدن نزل إلى يوم القيامة على ما مر تحقيقه، وفي تناول نحو هذه الصيغة للعبيد شرعا حتى يعمهم الحكم خلاف، فذهب الأكثرون إلى التناول لأن العبد من الناس مثلا فيدخل في الخطاب العام له قطعا وكونه عبدا لا يصلح مانعا لذلك، وذهب البعض إلى عدم التناول قالوا: لأنه قد ثبت بالإجماع صرف منافع العبد إلى سيده فلو كلف بالخطاب لكان صرفا لمنافعه إلى غير سيده وذلك تناقض فيتبع الإجماع ويترك الظاهر، وأيضا خرج العبد عن الخطاب بالجهاد، والجمعة، والعمرة، والحج، والتبرعات، والأقارير، ونحوها، ولو كان الخطاب متناولا له للعموم لزم التخصيص، والأصل عدمه، والجواب عن الأول: أنا لا نسلم صرف منافعه إلى سيده عموما بل قد يستثنى من ذلك وقت تضايق العبادات حتى لو أمره السيد في آخر وقت الظهر ولو أطاعه لفاتته الصلاة وجبت عليه الصلاة، وعدم صرف منفعته في ذلك الوقت إلى السيد، وإذا ثبت هذا فالتعبد بالعبادة ليس مناقضا لقولهم: بصرف المنافع للسيد، وعن الثاني: بأن خروجه بدليل اقتضى خروجه وذلك كخروج المريض، والمسافر، والحائض عن العمومات الدالة على وجوب الصوم، والصلاة، والجهاد، وذلك لا يدل على عدم تناولها اتفاقا، غايته أنه خلاف الأصل ارتكب لدليل وهو جائز ثم الصحيح أن الأمم الدارجة قبل نزول هذا الخطاب لا حظ لها فيه لاختصاص الأوامر والنواهي بمن يتصور منه الامتثال، وأنى لهم به وهم تحت أطباق الثرى لا يقومون حتى ينفخ في الصور.
وجوز بعضهم كون الخطاب عاما بحيث يندرجون فيه، ثم قال: ولا يبعد أن يكون الأمر الآتي عاما لهم أيضا بالنسبة إلى الكلام القديم القائم بذاته تعالى، وإن كان كونه عربيا عارضا بالنسبة إلى هذه الأمة، وفيه نظر لأن المنظور إليه إنما هو أحكام القرآن بعد النزول وإلا لكان النداء وجميع ما فيه من خطاب المشافهة مجازات ولا قائل به فتأمل، وعلى العلات لفظ (الناس) يشمل الذكور والإناث بلا نزاع، وفي شمول نحو قوله تعالى: * (اتقوا ربكم) * خلاف، والأكثرون على أن الإناث لا يدخلن في مثل هذه الصيغة ظاهرا خلافا للحنابلة، استدل الأولون بأنه قد روي عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله إن النساء قلن ما نرى الله تعالى ذكر إلا الرجال فأنزل ذكرهن، فنفت ذكرهن مطلقا ولو كن داخلات لما صدق نفيهن ولم يجز تقريره عليه الصلاة والسلام للنفي، وبأنه قد أجمع أرباب العربية على أن نحو هذه الصيغة جمع مذكر وأنه لتضعيف المفرد والمفرد مذكر، وبأن نظير هذه الصيغة المسلمون ولو كان مدلول المسلمات داخلا فيه لما حسن العطف في قوله تعالى: * (إن المسلمين والمسلمات) * (الأحزاب: 35) إلا باعتبار التأكيد، والتأسيس خير من التأكيد، وقال الآخرون: المعروف من أهل اللسان تغليبهم
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»