تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٤
كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه وقيل: في أن محمدا صلى الله عليه وسلم على دين إبراهيم عليه السلام وأن دينه الإسلام، وقيل: في كل ما أخبر به ويدخل ما ذكر دخولا أوليا وفيه كما قيل: تعريض بكذبهم الصريح * (فاتبعوا ملة إبراهيم) * وهي دين الإسلام فإنكم غير متبعين ملته كما تزعمون، وقيل: اتبعوا مثل ملته حتى تخلصوا عن اليهودية التي اضطرتكم إلى الكذب على الله والتشديد على أنفسكم، وقيل: اتبعوا ملته في استباحة أكل لحوم الإبل وشرب ألبانها مما كان حلا له * (حنيفا) * أي مائلا عن سائر الأديان الباطلة إلى دين الحق، أو مستقيما على ما شرعه الله تعالى من الدين الحق في حجه ونسكه ومأكله وغير ذلك * (وما كان من المشركين) * أي في أمر من أمور دينهم أصلا (وفرعا) وفيه تعريض بشرك أولئك المخاطبين، والجملة تذييل لما قبلها.
* (إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للع‍المين) *.
* (إن أول بيت وضع للناس) *. أخرج ابن المنذر وغيره عن ابن جريج قال: بلغنا أن اليهود قالت: بيت المقدس أعظم من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء ولأنه في الأرض المقدسة، فقال المسلمون: بل الكعبة أعظم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت إلى * (مقام إبراهيم) * (آل عمران: 97) وروي مثل ذلك عن مجاهد ووجه ربطها بما قبلها أن الله تعالى أمر الكفرة باتباع ملة إبراهيم ومن ملته تعظيم بيت الله تعالى الحرام فناسب ذكر البيت وفضله وحرمته لذلك، وقيل: وجه المناسبة أن هذه شبهة ثانية ادعوها فأكذبهم الله تعالى فيها كما أكذبهم في سابقتها، والمعنى: إن أول بيت وضع لعبادة الناس ربهم أي هيىء وجعل متعبدا؛ والواضع هو الله تعالى كما يدل عليه قراءة من قرأ * (وضع) * بالبناء للفاعل لأن الظاهر حينئذ أن يكون الضمير راجعا إلى الله تعالى وإن لم يتقدم ذكره سبحانه صريحا في الآية بناءا على أنها مستأنفة واحتمال عوده إلى إبراهيم عليه السلام لاشتهاره ببناء البيت خلاف الظاهر، وجملة * (وضع) * في موضع جر على أنها صفة * (بيت) * و * (للناس) * متعلق به واللام فيه للعلة.
وقوله تعالى: * (للذي ببكة) * خبر * (إن) * واللام مزحلقة وأخبر بالمعرفة عن النكرة لتخصيصها، وهذا في باب إن، و - بكة - لغة في مكة عند الأكثرين والباء والميم تعقب إحداهما الأخرى كثيرا، ومنه نميط ونبيط ولازم ولازب وراتب وراتم، وقيل: هما متغايران فبكة موضع المسجد ومكة البلد بأسرها، وأصلها من البك بمعنى الزحم يقال بكه يبكه بكا إذا زحمه، وتباك الناس إذا ازدحموا وكأنها إنما سميت بذلك لازدحام الحجيج فيها، وقيل: بمعنى الدق وسميت بذلك لدق أعناق الجبابرة إذا أرادوها بسوء وإذلالهم فيها ولذا تراهم في الطواف كآحاد الناس ولو أمكنهم الله تعالى من تخلية المطاف لفعلوا؛ وقيل: إنها مأخوذة من بكأت الناقة أو الشاة إذا قل لبنها وكأنها إنما سميت بذلك لقلة مائها وخصبها، قيل: ومن هنا سميت البلد مكة أيضا أخذا لها من أمتك الفصيل ما في الضرع إذا امتصه ولم يبق فيه من اللبن شيئا، وقيل: هي من مكه الله تعالى إذا استقصاه بالهلاك.
ثم المراد بالأولية الأولية بحسب الزمان، وقيل: بحسب الشرف، ويؤيد الأول: ما أخرجه الشيخان عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول بيت وضع للناس فقال: المسجد الحرام ثم بيت المقدس فقيل: كم بينهما؟ فقال: أربعون سنة " واستشكل ذلك بأن باني المسجد الحرام إبراهيم عليه السلام وباني الأقصى داود ثم ابنه سليمان عليهما السلام، ورفع قبته ثمانية عشر ميلا وبين بناء إبراهيم وبنائهما مدة تزيد على الأربعين بأمثالها.
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»