تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٦٢
لو كانت بالفتح لأنه يمكن حينئذ أن يكون اللقب مجرورا بالإضافة إلا أن الفتحة فيه نائبة عن الكسرة بناءا على القول بأن المسمى به يجوز أن يعرب كما لا ينصرف لكن أنت تعلم أن قصارى ما يثبته هذا الاستدلال الورود في هذا الجزئي. وأما أنه يثبت الاطراد فلا، ولعل المانع إنما يمنع ذلك، ويدعي أن المطرد هو الإضافة لكن بشرط أن لا يمنع منها مانع فلا تجوز فيما إذا قارنت - أل - الوضع لمنعها عن ذلك فلا يقال: الحرث - كرز - بالإضافة، وكذا إذا كان اللقب وصفا في الأصل نحو إبراهيم الخليل - على ما نص عليه ابن الحاجب في " شرح المفصل " - لأن الموصوف لا يضاف إلى صفته في المشهور.
ومن الناس من جعل ما نحن فيه من هذا القبيل، وهو مبني على مذهب من يقول: إن المسيح صفة في العربية ومع هذا في المسألة خلاف ابن هشام فإنه يجوز الإضافة في هذا القسم أيضا وتمام البحث في " كتبنا النحوية " فليفهم، وإنما قيل: * (ابن مريم) * مع كون الخطاب لها تنبيها على أنه يولد من غير أب ولو كان له أب لنسب إليه، وفي ذلك رمز إلى تفضيل الأم أيضا، وقيل: إن في ذلك ردا للنصارى، وأبعد من ادعى أن هذه الإضافة لمدح عيسى عليه السلام لأن الكلام حينئذ في قوة ابن عابدة، هذا واعلم أن لفظ * (ابن) * في الآية يكتب بغير همزة بناءا على وقوعه صفة بين علمين إذ القاعدة أنه متى وقع كذلك لم تكتب همزته بل تحذف في الخط تبعا لحذفها في اللفظ لكثرة استعماله كذلك ومتى تقدمه علم لكن أضيف إلى غير علم - كزيد ابن السلطان - أو تقدمه غير علم، وأضيف إلى علم - كالسلطان ابن زيد - أو وقع بين ما ليسا علمين - كزيد العاقل ابن الأمير عمرو - كتبت الألف ولم تحذف في الخط في جميع تلك الصور، والكتاب كثيرا ما يخطئون في ذلك فيحذفون الهمزة منه في الكتابة أينما وقع، وقد نص على خطئهم في ذلك ابن قتيبة وغيره. ومن هنا قيل: إن الرسم يرجح التبعية، نعم في كون ذلك مطردا فيما إذا كان المضاف إليه علم الأم خلاف، والذي أختاره الحذف أيضا إذا كان ذلك مشهورا.
* (وجيها في الدنيا والآخرة) * الوجيه ذو الجاه والشرف والقدر، وقيل: الكريم على من يسأله فلا يرد لكرم وجهه عنده خلاف من يبذل وجهه للمسألة فيرد، ووجاهته في الدنيا بالنبوة والتقدم على الناس، وفي الآخرة بقبول شفاعته وعلو درجته، وقيل: وجاهته في الدنيا بقبول دعائه بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وقيل: بسبب أنه كان مبرءا من العيوب التي افتراها اليهود عليه، وفي الآخرة ما تقدم وليست الوجاهة بمعنى الهيئة والبزة ليقال: كيف كان - وجيها - في الدنيا مع أن اليهود قاتلهم الله عاملوه بما عاملوه على أنه لو كان المعنى على ذلك لا تقدح تلك المعاملة فيه كما لا تقدح على التقادير الأول كما لا يخفى على المتأمل، ونصب * (وجيها) * على أنه حال مقدرة من * (كلمة) * وسوغ مجىء الحال منها مع أنها نكرة وصفها بما بعدها والتذكير باعتبار المعنى - كما أشير إليه - وجعلت الحال مقدرة لأن الوجاهة كانت بعد البشارة. ومن الناس من جعل الحال من * (عيسى) * وقال أبو البقاء: لا يجوز ذلك وكذا لا يجوز جعله حالا من * (المسيح) * أو من * (ابن مريم) * لأنها أخبار، والعامل فيها الابتداء، أو المبتدأ أو هما وليس شيء من ذلك يعمل في الحال، وكذا لا يجوز أيضا أن يكون حالا من الهاء في اسمه للفصل الواقع بينهما ولعدم العامل في الحال، والظرف متعلق بما عنده لما فيه من معنى الفعل * (ومن المقربين) * أي عند الله يوم القيامة قاله قتادة، وقيل: هو إشارة إلى رفعه إلى السماء وصحبته الملائكة، وقيل: من المقربين من الناس بالقبول والإجابة وهو معطوف
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»