تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٦٧
النطق فلا يضر كونها في حكم الغيبة مع كون هذا في حكم التكلم إذ يكون المعنى حال كونه - وجيها - ورسولا ناطقا بكذا، والرسول على سائر التقادير صفة كشكور وصبور، وفعول هنا بمعنى مفعل، واحتمال - أن يكون مصدرا كما قال أبو البقاء مثله في قول الشاعر: أبلغ أبا سلمى (رسولا) تروعه ويجعل معطوفا على * (الكتاب) * (آل عمران: 48) أي ويعلمه رسالة - بعيد لفظا ومعنى، أما الأول: فلأن المتبادر الوصفية لا المصدرية، وأما ثانيا: فلأن تعليم الرسالة مما لا يكاد يوجد في كلامهم، والظرف إما متعلق - برسولا - أو بمحذوف وقع صفة له أي - رسولا كائنا إلى بني إسرائيل أي كلهم، قيل: وتخصيصهم بالذكر للإيذان بخصوص بعثته، أو للرد على من زعم من اليهود أنه مبعوث إلى غيرهم. ولي في نسبة هذا الزعم لبعض اليهود تردد - وليس ذلك في الكتب المشهورة - والذي رأيناه فيها أنهم في عيسى الذي قص الله تعالى علينا من أمره ما قص فرقتان: فرقة ترميه - وحاشاه بأفظع ما رمت به أمة نبيها - وهم أكثر اليهود، وفرقة يقال لهم (العنانية أصحاب عنان بن داود رأس الجالوت يصدقونه في مواعظه وإشاراته ويقولون: إنه لم يخالف التوراة ألبتة بل قررها ودعا الناس إليها، وإنه من المستجيبين لموسى عليه السلام، ومن بني إسرائيل المتعبدين وليس برسول ولا نبي، ويقولون: إن سائر اليهود ظلموه حيث كذبوه أولا ولم يعرفوا مدعاه وقتلوه آخرا ولم يعرفوا مرامه ومغزاه) نعم من اليهود فرقة يقال لهم العيسوية - أصحاب أبي عيسى إسحق بن يعقوب الأصفهاني الذي يسميه بعضهم (بعرقيد الوهيم) - يزعمون: أن لله تعالى رسولا بعد موسى عليه السلام يسمى المسيح إلا أنه لم يأت بعد ويدعون أن له خمسة من الرسل يأتون قبله واحدا بعد واحد وأن صاحبهم هذا أحد رسله - وكل من هذه الأقوال بعيد - عما ادعاه صاحب القيل بمراحل - ولعله وجد ما يوافق دعواه، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. هذا واختلف في زمن رسالته عليه السلام فقيل: في الصبا وهو ابن ثلاث سنين. وفي " البحر ": أن الوحي أتاه بعد البلوغ وهو ابن ثلاثين سنة فكانت نبوته ثلاث سنين قيل: وثلاثة أشهر وثلاثة أيام ثم رفع إلى السماء وهو القول المشهور، وفيه أن أول أنبياء بني إسرائيل يوسف وقيل: موسى وآخرهم عيسى - على سائرهم أفضل الصلاة وأكمل السلام - وقرأ اليزيدي - ورسول - بالجر على أنه معطوف على (كلمة) - أي يبشرك بكلمة وبرسول -.
* (أني قد جئتكم) * معمول - لرسولا - لما فيه من معنى النطق. وجوز أبو البقاء كونه معمولا لمحذوف وقع صفة - لرسولا - أي رسولا ناطقا أو مخبرا بأني وكونه بدلا من * (رسولا) * إذا جعلته مصدرا أي ونعلمه أني قد جئتكم، أو خبرا لمبتدأ محذوف على تقدير المصدرية أيضا أي هو أني، فالمنسبك إما في محل جر أو نصب أو رفع، وقوله تعالى: * (بآية) * في موضع الحال أي محتجا أو متلبسا بآية أو متعلق - بجئتكم - والباء للملابسة أو للتعدية، والتنوين للتفخيم دون الوحدة لظهور ما ينافيها، وقرىء بآيات. * (من ربكم) * متعلق بمحذوف وقع صفة - لآية - وجوز تعلقه بجئت، و * (من) * في التقديرين لابتداء الغاية مجازا، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين لتأكيد إيجاب الامتثال لما سيأتي من الأوامر، أو لأن وصف الربوبية يناسب حال الإرسال إليهم.
وقوله تعالى: * (أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير) * بدل من قوله سبحانه: * (أني قد جئتكم) * أو من * (آية) * أو منصوب على المفعولية لمحذوف أي أعني، أو مرفوع على
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»