تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٣٤
رضي الله تعالى عنهما - وقال مجاهد: المحرر الخادم للبيعة، وفي رواية عند الخالص الذي لا يخالطه شيء من أمر الدنيا، وقال محمد بن جعفر بن الزبير: أرادت عتيقا خالصا لطاعتك لا أصرفه في حوائجي، وعلى كل هو من الحرية - وهي ضربان - أن لا يجري عليه حكم السبي وأن لا تتملكه الأخلاق الرديئة والرذائل الدنيوية. وانتصابه على الحالية من * (ما) * والعامل فيه * (نذرت) *؛ وقيل: من الضمير الذي في الجار والمجرور، والعامل فيه حينئذ الاستقرار - ولا يخفى رجحان الوجه الأول - والحال إما مقدرة أو مصاحبة، وجوز أبو حيان أن ينصب على المصدر أي - تحريرا - لأنه بمعنى النذر، وتأكيد الجملة للإيذان بوفور الرغبة في مضمونها وتقديم الجار والمجرور لكمال الاعتناء به والتعبير عن الولد بما لإبهام أمره وقصوره عن درجة العقلاء، و - التقبل - أخذ الشيء على وجه الرضا وأصله المقابلة بالجزاء - وتقبل - هنا بمعنى اقبل.
* (إنك أنت السميع) * لسائر المسموعات فتسمع دعائي * (العليم) * بما كان ويكون فتعلم نيتي وهو تعليل لاستدعاء القبول من حيث إن علمه تعالى بصحة نيتها وإخلاصها مستدع لذلك تفضلا وإحسانا، وتأكيد الجملة لغرض قوة يقينها بمضمونها وقصر صفتي السمع والعلم عليه تعالى لغرض اختصاص دعائها وانقطاع حبل رجائها عما عداه سبحانه بالكلية مبالغة في الضراعة والابتهال - قاله شيخ الإسلام - وتقديم صفة السمع لأن متعلقاتها وإن كانت غير متناهية إلا أنها ليست كمتعلقات صفة العلم في الكثرة.
* (فلما وضعتها قالت رب إنى وضعتهآ أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر ك الانثى وإنى سميتها مريم وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيط‍ان الرجيم) *.
* (فلما وضعتها) * الضمير - لما - ولما علم المتكلم أن مدلولها مؤنث جاز له تأنيث الضمير العائد إليه وإن كان اللفظ مذكرا، وأما التأنيث في قوله تعالى: * (قالت رب إني وضعتها أنثى) * فليس باعتبار العلم بل باعتبار أن كل ضمير وقع بين مذكر ومؤنث هما عبارتان عن مدلول واحد جاز فيه التذكير والتأنيث نحو الكلام يسمى جملة، و * (أنثى) * حال بمنزلة الخبر فأنث العائد إلى (ما) نظرا إلى الحال من غير أن يعتبر فيه معنى الأنوثة ليلزم اللغو أو باعتبار التأويل بمؤنث لفظي يصلح للمذكر والمؤنث - كالنفس، والحبلة، والنسمة - فلا يشكل التأنيث ولا يلغو * (أنثى) * بل هي حالة مبينة - كذا قيل - ولا يخلو عن نظر، فالحق أن الضمير لما - في بطني - والتأنيث في الأول لما أن المقام يستدعي ظهور أنوثته واعتباره في حيز الشرط إذ عليه يترتب جواب (لما) لا على وضع ولد ما، والتأنيث في الثاني للمسارعة إلى عرض ما دهمها من خيبة الرجاء وانقطاع حبل الأمل، و * (أنثى) * حال مؤكدة من الضمير أو بدل منه، وليس الغرض من هذا الكلام الإخبار لأنه إما للفائدة أو للازمها، وعلم الله تعالى محيط بهما بل لمجرد التجسر والتحزن، وقد قال الإمام المرزوقي: إنه قد يرد الخبر صورة لأغراض سوى الإخبار كما في قوله: قومي هم قتلوا أميم أخي * فإذا رميت (يصيبني سهمي) فإن هذا الكلام تحزن وتفجع وليس بإخبار، وحاصل المعنى هنا على ما قرر - فلما وضعت بنتا تحسرت إلى مولاها وتفجعت إذ خاب منها رجاها - وعلى هذا لا إشكال أصلا في التأنيث ولا في الجزاء نفسه، ولا في ترتبه على الشرط، وما قيل: إنه يحتمل أن يكون فائدة هذا الكلام - التحقير للمحرر استجلابا للقبول لأنه من تواضع لله تعالى رفعه الله سبحانه - فمستحقر من القول بالنسبة إلى ما ذكرنا؛ والتأكيد هنا قيل: للرد على اعتقادها الباطل وربما أنه يعود إلى الاعتناء والمبالغة في التحسر الذي قصدته والرمز إلى أنه صادر عن قلب كسير وفؤاد
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»