تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٩٩
من ساداتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم لم يحتج إلى هذه الكلفات، ولم يحم حول هذه التأويلات * (وقضي الأمر) * أي أتم أمر العباد وحسابهم فأثيب الطائع وعوقب العاصي وأتم أمر إهلاكهم وفرغ منه وهو عطف على * (هل ينظرون) * لأنه خبر معنى ووضع الماضي موضع المستقبل لدنو وتيقن وقوعه. وقرأ معاذ بن جبل (وقضاء الأمر) عطفا على (الملائكة) * (وإلى الله ترجع الأمور) * تذييل للتأكيد كأنه قيل: وإلى الله ترجع الأمور التي من جملتها الحساب أو الإهلاك، وعلى قراءة معاذ عطف على * (هل ينظرون) * أي لا ينظرون إلا الإتيان وأمر ذلك إلى الله تعالى، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم - (ترجع) - على البناء للمفعول على أنه من الرجع، وقرأ الباقون على البناء للفاعل بالتأنيث غير يعقوب على أنه من الرجوع، وقرىء أيضا بالتذكير وبناء المفعول.
* (سل بنىإسراءيل كم آتين‍اهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جآءته فإن الله شديد العقاب) * * (سل بني إسراءيل) * أمر للرسول صلى الله عليه وسلم كما هو الأصل في الخطاب أو لكل واحد ممن يصح منه السؤال، والمراد بهذا السؤال تقريعهم وتوبيخهم على طغيانهم وجحودهم الحق بعد وضوح الآيات لا أن يجيبوا فيعلم من جوابهم كما إذا أراد واحد منا توبيخ أحد يقول لمن حضر سله كم أنعمت عليه، وربط الآية بما قبلها على ما قيل: إن الضمير في * (هل ينظرون) * (البقرة: 210) إن كان لأهل الكتاب فهي كالدليل عليه وإن كان ل‍ * (من يعجبك) * (البقرة: 204) فهي بيان لحال المعاندين من أهل الكتاب بعد بيان حال المنافقين من أهل الشرك * (كم ء اتين‍اهم من ءاية بينة) * أي علامة ظاهرة وهي المعجزات الدالة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الحسن ومجاهد، وتخصيص إيتاء المعجزات بأهل الكتاب مع عمومه للكل لأنهم أعلم من غيرهم بالمعجزات وكيفية دلالتها على الصدق لعلمهم بمعجزات الأنبياء السابقة وقد يراد بالآية معناها المتعارف وهو طائفة من القرآن وغيره، و () بينة من بان المتعدي، فالسؤال على إيتاء الآيات المتضمنة لنعت الرسول صلى الله عليه وسلم وتحقيق نبوته والتصديق بما جاء به. و * (كم) * إما خبرية والمسؤول عنه محذوف، والجملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب مبينة لاستحقاقهم التقريع كأنه قيل: سل بني إسرائيل عن طغيانهم وجحودهم للحق بعد وضوحه فقد - آتيناهم آيات كثيرة بينة، - وزعم لزوم انقطاع الجملة على هذا التقدير - وهم كما ترى، وإما استفهامية والجملة في موضع المفعول الثاني ل‍ * (سل) * وقيل: في موضع المصدر أي سلهم هذا السؤال، وقيل: في موضع الحال أي سلهم قائلا - كم آتيناهم - والاستفهام للتقرير بمعنى حمل المخاطب على الإقرار، وقيل: بمعنى التحقيق والتثبيت، واعترض بأن معنى التقريع الاستنكار والاستبعاد وهو لا يجامع التحقيق؛ وأجيب بأن التقريع إنما هو على جحودهم الحق وإنكاره المجامع لإيتاء الآيات لا على الإيتاء حتى يفارقه، ومحلها النصب على أنها مفعول ثان - لآتينا - وليس من الاشتغال كما وهم أو الرفع بالابتداء على حذف العائد، والتقدير - آتيناهموما - أو آتيناهم إياها، وهو ضعيف عند سيبويه، وآية تمييز، ومن صلة أتى بها للفصل بين كون آية مفعولا - لآتينا - وكونها مميزة ل‍ * (كم) * ويجب الإتيان بها في مثل هذا الموضع فقد قال الرضي: وإذا كان الفصل بين - كم - الخبرية ومميزها بفعل متعد وجب الإتيان بمن لئلا يلتبس المميز بمفعول ذلك المتعدي نحو * (كم تركوا من جنات) * (الدخان: 25) و * (كم أهلكنا من قرية) * (القصص: 58) وحال - كم - الاستفهامية المجرور مميزها مع الفصل كحال - كم - الخبرية في جميع ما ذكرنا انتهى، وحكي عنه أنه أنكر زيادة من في مميز الاستفهامية وهو محمول على الزيادة بلا فصل لا مطلقا فلا تنافي بين كلاميه. ومن يبدل نعمة الله) * أي آياته فإنها سبب الهدى الذي هو أجل النعم، وفيه وضع المظهر موضع المضمر بغير لفظه السابق لتعظيم الآيات، وتبديلها تحريفها وتأويلها الزائغ، أو جعلها سببا للضلالة وازدياد
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»