تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٠٣
والسلام، فكذبت به اليهود وقالوا لأمه: بهتانا عظيما، وجعلته النصارى إلها وولدا، وجعله الله تعالى روحه وكلمته، فهدى الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك وقراءة أبي بن كعب * (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ليكونوا شهداء على الناس) *. * (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) * وهو طريق الحق الذي لا يضل سالكه، والجملة مقررة لمضمون ما قبلها.
* (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأسآء والضرآء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب) * * (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة) * نزلت في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة والخوف والبرد وسوء العيش وأنواع الأذى، حتى بلغت القلوب الحناجر، وقيل: في غزوة أحد، وقال عطاء: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة اشتد الضر عليهم، لأنهم خرجوا بغير مال وتركوا ديارهم وأموالهم بيد المشركين، وآثروا رضا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسر قوم من الأغنياء النفاق فأنزل الله تطييبا لقلوبهم هذه الآية، والخطاب إما للمؤمنين خاصة، أو للنبي صلى الله عليه وسلم ولهم، ونسبة - الحسبان - إليه عليه الصلاة والسلام إما لأنه لما كان يضيق صدره الشريف من شدائد المشركين نزل منزلة من يحسب أن يدخل الجنة بدون تحمل المكاره، وإما على سبيل التغليب كما في قوله سبحانه: * (أو لتعودن في ملتنا) * (الأعراف: 88) و * (أم) * منقطعة - والهمزة المقدرة - لإنكار ذلك الحسبان وأنه لا ينبغي أن يكون، وقيل: متصلة بتقدير معادل، وقيل: منقطعة بدون تقدير، وفي الكلام التفات إلا أنه غير صريح من الغيبة إلى الخطاب لأن قوله سبحانه: * (كان الناس أمة واحدة) * (البقرة: 213) كلام مشتمل على ذكر الأمم السابقة والقرون الخالية، وعلى ذكر من بعث إليهم من الأنبياء وما لقوا منهم من الشدائد، وإظهار المعجزات تشجيعا للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على الثبات والصبر على أذى المشركين، أو للمؤمنين خاصة - فكانوا من هذا الوجه مرادين غائبين - ويؤيده * (فهدى الله الذين آمنوا) * (البقرة: 213) الخ فإذا قيل: بعد * (أم حسبتم) * كان نقلا من الغيبة إلى الخطاب، أو لأن الكلام الأول تعريض للمؤمنين بعدم التثبت والصبر على أذى المشركين، فكأنه وضع موضع كان من حق المؤمنين التشجيع والصبر تأسيا بمن قبلهم، كما يدل عليهم ما أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي والإمام أحمد عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقينا من المشركين فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله تعالى لنا؟ فقال: " إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فتخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه ثم قال: والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلى الله تعالى والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون " وهذا هو المضرب عنه - ببل - التي تضمنتها * (أم) * أي دع ذلك - أحسبوا أن يدخلوا الجنة - فترك هذا إلى الخطاب وحصل الالتفات معنى، ومما ذكر يعلم وجه ربط الآية بما قبلها، وقيل: وجه ذلك أنه سبحانه لما قال: * (يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) * (البقرة: 213) وكان المراد بالصراط الحق الذي يفضي اتباعه إلى دخول الجنة بين أن ذلك لا يتم إلا باحتمال الشدائد والتكليف * (ولما يأتكم) * الواو للحال، والجملة بعدها نصب على الحال أي غير آتيكم * (ولما) * جازمة - كلم - وفرق بينهما في " كتب النحو "، والمشهور أنها بسيطة، وقيل: مركبة من - لم وما النافية - وهي نظيره قد في أن الفعل المذكور بعدها منتظر الوقوع.
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»