تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٨٣
عليه بعد التحلل لا يجب عليه لحصول المقصد بالصوم وهو التحلل، وقال الشافعي: المراد وقت أداء الحج وهو أيام الاشتغال به بعد الإحرام وقبل التحلل، ولا يجوز الصوم عنده قبل إحرام الحج، والأحب أن يصوم سابع ذي الحجة وثامنه وتاسعة لأنه غاية ما يمكن في التأخير لاحتمال القدرة على الأصل وهو الهدي، ولا يجوز يوم النحر وأيام التشريق لكون الصوم منهيا فيها، وجوز بعضهم صوم الثلاثة الأخيرة احتجاجا بما أخرجه ابن جرير. والدارقطني. والبيهقي عن ابن عمر قال: رخص النبي صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم حتى فاته أيام العشر أن يصوم أيام التشريق مكانها، وأخرج مالك عن الزهري قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة فنادى في أيام التشريق فقال: إن هذه أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى إلا من كان عليه صوم من هدي " وأخرج الدارقطني مثله من طريق سعيد بن المسيب، وأخرج البخاري وجماعة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: لم يرخص صلى الله عليه وسلم في أيام التشريق أن يصمن إلا لمتمتع لم يجد هديا، وبذلك أحد الإمام مالك ولعل سادتنا الحنفية عولوا على أحاديث النهي وقالوا: إذا فاته الصوم حتى أتى يوم النحر لم يجزه إلا الدم ولا يقضيه بعد أيام التشريق كما ذهب إليه الشافعية لأنه بدل والأبدال لا تنصب إلا شرعا والنص خصه بوقت الحج وجواز الدم على الأصل؛ وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه أمر في مثله بذبح الشاة.
* (وسبعة إذا رجعتم) * أي فرغتم ونفرتم من أعماله، فذكر الرجوع وأريد سببه، أو المعنى إذا رجعتم من منى، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه - على ما هو الأصح عند معظم أصحابه -: إذا رجعتم إلى أهليكم، ويؤيده ما أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: " إذا رجعتم إلى أمصاركم " وأن لفظ الرجوع أظهر في هذا المعنى، وحكم ناوي الإقامة بمكة توطنا حكم الراجع إلى وطنه لأن الشرع أقام موضع الإقامة مقام الوطن، وفي " البحر " المراد بالرجوع إلى الأهل الشروع فيه - عند بعض - والفراغ بالوصول إليهم - عند آخرين - وفي الكلام التفات، وحمل على معنى بعد الحمل على لفظه في إفراده وغيبته؛ وقرىء * (سبعة) * بالنصب عطفا على محل * (ثلاثة أيام) * لأنه مفعول اتساعا، ومن لم يجوزه قدر - وصوموا - وعليه أبو حيان.
* (تلك عشرة كاملة) * الإشارة إلى - الثلاثة، والسبعة - ومميز العدد محذوف أي أيام وإثبات - التاء - في العدد مع حذف المميز أحسن الاستعمالين، وفائدة الفذلكة أن لا يتوهم أن - الواو - بمعنى أو التخييرية، وقد نص السيرافي في " شرح الكتاب " على مجيئها لذلك، وليس تقدم الأمر الصريح شرطا فيه بل الخبر الذي هو بمعنى الأمر كذلك، وأن يندفع التوهم البعيد الذي أشرنا إليه في مقدمة " إعجاز القرآن "، وأن يعلم العدد جملة - كما علم تفصيلا - فيحاط به من وجهين فيتأكد العلم، ومن أمثالهم - علمان خير من علم - لا سيما وأكثر العرب لا يحسن الحساب، فاللائق بالخطاب العامي الذي يفهم به الخاص والعام الذين هم من أهل الطبع، لا أهل الارتياض بالعلم أن يكون بتكرار الكلام وزيادة الإفهام والإيذان بأن المراد - بالسبعة - العدد دون الكثرة فإنها تستعمل بهذين المعنيين، فإن قلت: ما الحكمة في كونها كذلك حتى يحتاج إلى تفريقها المستدعي لما ذكر؟ أجيب بأنها لما كانت بدلا عن الهدى والبدل يكون في محل المبدل منه غالبا جعل الثلاثة بدلا عنه في زمن الحج وزيد عليها السبعة علاوة لتعادله من غير نقص في الثواب لأن الفدية مبنية على التيسير،
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»