تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٣٦
الأصل في - الواو - العطف، وفي الجملة الاستقلال ولإفادته تكثير أسباب التهويل والاستفظاع مع عدم الاحتياج إلى تقدير (قد) والباء من * (بهم) * للسببية، أي تقطعت بسبب كفرهم الأسباب التي كانوا يرجون منها النجاة، وقيل: للملابسة أي - تقطعت الأسباب - موصولة بهم كقولك: خرج زيد بثيابه، وقيل: بمعنى عن، وقيل: للتعدية، أي - قطعتهم الأسباب - كما تقول: تفرقت بهم الطريق، ومنه قوله تعالى: * (فتفرق بكم عن سبيله) * (الأنعام: 153) وأصل - السبب - الحبل مطلقا، أو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء، أو الحبل الذي أحد طرفيه متعلق بالسقف، أو الحبل الذي يرتقي به النخل. والمراد بالأسباب هنا الوصل التي كانت بين - الأتباع والمتبوعين - في الدنيا من الأنساب والمحاب، والاتفاق على الدين، والاتباع والاستتباع، وقرىء * (تقطعت) * بالبناء للمفعول - وتقطع - جاء لازما ومتعديا.
* (وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذالك يريهم الله أعم‍الهم حسرات عليهم وما هم بخ‍ارجين من النار) * * (وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة) * أي لو ثبت لنا عودة ورجوع إلى الدنيا. * (فنتبرأ منهم) * أي من المتبوعين * (كما تبرءوا منا) * تمنوا الرجوع إلى الدنيا حتى يطيعوا الله تعالى فيتبرءوا من متبوعيهم في الآخرة إذا حشروا جميعا مثل تبرىء المتبوعين منهم مجازاة لهم بمثل صنيعهم، أي كما جعلوا بالتبري غائظين متحيرين على متابعتهم نجعلهم أيضا بالتبري غائظين متحيرين على ما حصل لنا بترك متابعتهم، ولذا لم يتبرءوا منهم قبل تمني الرجوع لأنه لا يغيظ المتبوعين حيث تبرءوا من الأتباع أو لا، ومن هنا يظهر وجه القراءة على البناء للفاعل لأن تبرؤ الأتباع من المتبوعين بالآخرة بالانفصال عنهم بعد ما تبين لهم عدم نفعهم، وذلك لا يغيظ المتبوعين لاشتغال كل منهم بما يقاسيه، فلذا تمنوا الرجوع إلى الدنيا ليتبرءوا منهم تبرؤا يغيظهم. وأما قوله سبحانه: * (كما تبرءوا) * فلا يقتضي إلا وقوع التبرؤ من المتبوعين - وهو منصوص في آية أخرى - ولا يقتضي أن يكون مذكورا فيما سبق، وقيل: إن الأتباع بعد أن - تبرءوا - من المتبوعين يوم القيامة تمنوا الكرة إلى الدنيا مع متبوعيهم ليتبرءوا منهم فيها ويخذلوهم - فيجتمع لهم ذل الدنيا والآخرة - ويحتاج هذا التوجيه إلى اعتبار التغليب في * (لنا) * أي لنا ولهم، إذ التبرؤ في الدنيا إنما يتصور إذا رجع كلتا الطائفتين.
* (كذلك) * في موضع المفعول المطلق لما بعده، والمشار إليه الإراء المفهوم من * (إذ يرون) * (البقرة: 165) أي كإراء العذاب المتلبس بظهور أن القوة لله والتبري، وتقطع الأسباب وتمني الرجعة.
* (يريهم الله أعم‍الهم حسرات عليهم) * وجوز أن يكون المشار إليه المصدر المفهوم مما بعد - والكاف - مقحمة لتأكيد ما أفاده اسم الإشارة من الفخامة ومحله النصب على المصدرية أيضا، أي ذلك الإراء الفظيع يريهم على حد ما قيل في قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * (البقرة: 143) والجملة تذييل لتأكيد الوعيد، وبيان حال المشركين في الآخرة وخلود عذابهم، ويجوز أن تكون استئنافا كأنه لما بولغ في وعيدهم وتفظيع عذابهم كان محل أن يتردد السامع ويسأل هل لهم سوى ذلك من العذاب أم تم؟ فأجيب بما ترى، و (حسرات) أي ندمات وهو مفعول ثالث ليرى إن كانت الرؤية قلبية، وحال من (أعمالهم) إن كانت بصرية، ومعنى رؤية هؤلاء المشركين أعمالهم السيئة يوم القيامة حسرات رؤيتها مسطورة في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وتيقن الجزاء عليها، فعند ذلك يندمون على ما فرطوا في جنب الله تعالى، و (عليهم) صفة (حسرات) وجوز تعلقه بها على حذف المضاف أي تفريطهم، لأن - حسر - يتعدى - بعلى - واستدل بالآية من ذهب إلى أن الكفار مخاطبون بالفروع.
* (وما هم بخارجين من النار) * المتبادر في أمثاله حصر النفي في المسند إليه نحو * (وما أنا
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»