بطارد الذين آمنوا) * (هود: 29) * (وما أنت علينا بعزيز) * (هود: 91) ففيه إشارة إلى عدم خلود عصاة المؤمنين الداخلين في قوله تعالى: * (والذين آمنوا أشد حبا لله) * (البقرة: 165) في النار، وإذا أريد من * (الذين ظلموا) * (البقرة: 165) الكفار مطلقا دون المشركين فقط كان الحصر حقيقيا، ويكون المقصود منه المبالغة في الوعيد بأنه لا يشاركهم في الخلود غيرهم، فإن الشركة تهون العقوبات، وقيل: إن المقصود نفي أصل الفعل لأنه اللائق بمقام الوعيد - لا حصر النفي - إذ ليس المقام مقام تردد ونزاع في أن الخارج هم أو غيرهم على الشركة أو الانفراد وإن كان صحيحا بالنظر إلى العصاة إلا أنه غير إلى ما ترى إفادة للمبالغة في الخلود، والإقناط عن الخلاص، والرجوع إلى الدنيا، وزيادة - الباء - وإخراج ذواتهم من عداد الخارجين لتأكيد النفي، وأنت تعلم أنه إذا لم يعتبر في الحصر حال المخاطب لم يبق فيه ما يقال سوى أن ظواهر بعض الآيات تقتضي عدم إرادة الحصر، ومن ذلك قوله تعالى: * (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها) * (المائدة: 37) فليس القول بعدم الحصر نصا في الاعتزال كما وهم.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (إن الصفا) * أي الروح الصافية عن درن المخالفات * (والمروة) * (البقرة: 158) أي النفس القائمة بخدمة مولاها من إعلام دين الله ومناسكه القلبية والقالبية، فمن بلغ مقام الوحدة الذاتية، ودخل بيت الحضرة الإلهية بالفناء عن السوي أو زار الحضرة بتوحيد الصفات واتزر بأنوار الجلال والجمال فلا حرج عليه حينئذ أن يطوف بهما ويرجع إلى مقامهما بالوجود الموهوب بعد التمكين المطلوب ومن تبرع خيرا بالتعليم والنصيحة وإرشاد المسرشدين فإن الله يشكر عمله ويعلم جزاءه * (إن الذين يكتمون) * ما أفضنا عليهم من أنوار المعارف وهدى الأحوال * (من بعد ما بيناه للناس في) * كتاب عقولهم المنورة بنور المتابعة * (أولئك) * يبعدهم الله تعالى ويحجبهم عنه * (ويلعنهم اللاعنون) * (البقرة: 159) من الملأ الأعلى فلا يمدونهم، ومن المستعدين فلا يصحبونهم * (إلا الذين) * رجعوا إلى الله تعالى وعلموا أن ما هم فيه ابتلاء منه عز وجل، وأصلحوا أحوالهم بالرياضة، وأظهروا ما احتجب عنهم بصدق المعاملة * (فأولئك) * أقبل توبتهم * (وأنا التواب الرحيم) * (البقرة: 160) * (إن الذين كفروا) * واحتجبوا عن الحق، وبقوا على احتجابهم حتى زال استعدادهم وانطفأ نور فطرتهم * (أولئك) * (البقرة: 161) استحقوا الطرد والبعد عن الحق وعالم الملكوت، * (خالدين) * في ذلك * (لا يخفف عنهم العذاب) * لرسوخ الأمور الموجبة له فيهم * (ولا هم ينظرون) * (البقرة: 162) للزوم تلك الهيآت المظلمة إياهم * (وإلهكم إله واحد) * (البقرة: 163) بالذات لا شيء في الوجود غيره فأنى يعبد سواه، وهو العدم البحت. إن في إيجاد سموات الأرواح وأرض النفوس، واختلاف النور والظلمة بينهما، وفلك البدن التي تجري في بحر الاستعداد بما ينفع الناس في كسب كمالاتهم، وتكميل نشأتهم، وما أنزل الله من سماء الأرواح من ماء العلم فأحيا به أرض النفوس بعد موتها بالجهل وبث فيها القوى الحيوانية، وفرق في أفلاكها سيارات عالم الملكوت، وتصريف رياح النفحات المحركة لأغصان أشجار الشوق في رياض القلوب وسحاب التجليات المسخر بين سماء الروح وأرض النفس ليمطر قطرات الخطاب على نيران الألباب لتسكن ساعة من الاحتراق بالتهاب نار الوجد لآيات ودلائل لقوم يعقلون (البقرة: 164) بالعقل المنور بالأنوار القدسية المجرد عن شوائب الوهم، * (ومن الناس) * من يعبد من دون الله أشياء منعته عن خدمة سيده، والتوجه إليه يحبونهم ويميلون إليهم كحبهم لله ويسوون بينهم وبينه سبحانه لأنهم لم يذوقوا لذة محبته ولم يروا نور مشاهدته وحقائق وصله وقربه * (والذين آمنوا) * الإيمان الكامل * (أشد حبا لله) * لأنهم مستغرقون بمشاهدته هائمون بلذيذ خطابه من عهد * (ألست بربكم) * (الأعراف: 172) لا يلتفتون إلى سواه طرفة عين فهيهات أن