تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٣١
في الآثار - أن بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام - مختلفة الحقيقة لما أن الاختلاف في الآثار المشار إليه بقوله تعالى: * (وأوحى في كل سماء أمرها) * (فصلت: 12) يدل عليه، ولم يجمع الأرض لأن طبقاتها ليست متصفة بجميع ذلك فإنها، سواء كانت متفاصلة بذواتها، كما ورد في الأحاديث - من أن بين كل أرضين كما بين كل سماءين - أو لا تكون متفاصلة - كما هو رأي الحكيم - غير مختلفة في الحقيقة اتفاقا.
* (واختلافالليل والنهار) * أي تعاقبهما وكون كل منهما خلفا للآخر، أو اختلاف كل منهما في أنفسهما ازديادا وانتقاصا، أو ظلمة ونورا، وقدم الليل لسبقه في الخلق أو لشرفه.
* (والفلك التي تجرى في البحر) * عطف على * (خلق السموات) * لا على * (السموات) * أو عطف على * (الليل والنهار) * والفلك من الألفاظ التي استعملت مفردا وجمعا، وقدر بينهما تغاير اعتباري، فإن اعتبر أن ضمته أصلية كضمة - قفل - فمفرد، وإن اعتبر أنها عارضة كضمة - أسد - فجمع، ومن الأول: قوله تعالى: * (في الفلك المشحون) * (يس: 41) ومن الثاني: قوله تعالى: * (إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) * (يونس: 22) وقيل: إنه جمع فلك - بفتح الفاء وسكون اللام - وقيل: إنه اسم جمع، زعم بعضهم أنه قرىء * (فلك) * بضمتين وهو عند بعض مفرد لا غير. وقال الكواشي: الفلك والفلك - بضمتين - لغتان الواحد والجمع سواء في اللفظ، ويعرف ذلك بجمع ضمير فعلهما وإفراده.
* (بما ينفع الناس) * (ما) إما مصدرية أي - بنفعهم - أو موصولة أي - بالذي ينفعهم - وعلى الأول: ضمير الفاعل إما - للفلك - لأنه مذكر اللفظ مؤنث المعنى - كما قيل - أو - للجري - أو - للبحر - واحتمال كونها موصوفة لا يلائمه مقام الاستدلال * (وما أنزل الله من السمآء من مآء) * عطف على * (الفلك) * وقيل: وتأخيره عن ذكرها مع كونه أعم منها نفعا لما فيه من مزيد تفضيل، وقيل: المقصود من الأول الاستدلال بالبحر وأحواله لا بالفلك الجاري فيه لأن الاستدلال بذلك إما بصنعته على وجه يجري في الماء، أو العلم بكيفية إجرائه، أو - بتسخير الريح والبحر - لذلك، أو توسله إلى ما ينفع الناس وشيء منها ليس من حاله في نفسه، ولأن الاستدلال - بالفلك الجاري في البحر - استدلال بحال من أحوال البحر بخلاف ما لو استدل بالبحر وجميع أحواله فإنه أعم وأليق بالمقام، إلا أنه خص الفلك بالذكر مع أن مقتضى المقام حينئذ أن يقال: والعجائب التي في البحر - لأنه سبب الاطلاع على أحواله وعجائبه - فكان ذكره ذكرا لجميع أحواله، وطريقا إلى العلم بوجوه دلالته، ولذلك قدم على ذكر - المطر والسحاب - لأن منشأهما البحر في غالب الأمر، وإلا فالمناسب بعد ذكر اختلاف الليل والنهار الذي هو من الآيات العلوية ذكر - المطر والسحاب - اللذين هما من كائنات الجو وعدم نظم الفلك في البين لكونها من الآيات السفلية. وعندي أن هذا خلاف الظاهر جدا - وإن جل قائله - إذ يؤول المعنى إلى - والبحر الذي تجري فيه الفلك بما ينفع الناس - وهو قلب للنظم الكريم بغير داع إليه ولا دليل يعول عليه، وأي مانع من كون الاستدلال باختلاف الفلك وذهابها مرة كذا ومرة كذا على حسب ما تحركها المقادير الإلهية، أو بالفلك الجارية في البحر من حيث إنها جارية فيه موقرة مقبلة ومدبرة، متعلقة بحبال الهواء على لطفه، وكثافتها لا ترسب إلى قاع البحر مع تلاطم أمواجه واضطراب لججه، وكون شيء من ذلك ليس حالا لها في نفسها غير مسلم، ووجه الترتيب - على ما أرى - أنه سبحانه ذكر أولا: خلق أمرين علوي وسفلي، واختلاف شيئين بمدخلية أمرين سماوي وأرضي ثانيا: إذ تعاقب الليل والنهار أو اختلافهما
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»