تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٢٣
نزول الآية، وكذا الأمراض وموت الأولاد موجودان قبل، فلا معنى للوعد بالابتلاء بذلك، وكذا لا معنى للتعبير عن الزكاة - وهي النمو والزيادة - بالنقص، وأجيب بأن كون قلوب المؤمنين مشحونة بالخوف قبل لا ينافي ابتلاءهم في الاستقبال بخوف آخر، فإن الخوف يتضاعف بنزول الآيات، وكذا الأمراض، وموت الأولاد أمور متجددة يصح الابتلاء بها في الآتي من الأزمان، والتعبير عن الزكاة - بالنقص - لكونها نقصا صورة - وإن كانت زيادة معنى - فعند الابتلاء سماها نقصا، وعند الأمر بالأداء سماها زكاة ليسهل أداؤها.
* (وبشر الص‍ابرين) * خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من تتأتى منه البشارة، والجملة عطف على ما قبلها عطف المضمون على المضمون من غير نظر إلى الخبرية والإنشائية - والجامع ظاهر - كأنه قيل: الابتلاء حاصل لكم - وكذا البشارة - ولكن لمن صبر منكم، وقيل: على محذوف أي أنذر الجازعين وبشر [بم وفي توصيف الصابرين بقوله تعالى:
* (الذين إذآ أص‍ابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنآ إليه راجعون) * إشارة إلى أن الأجر لمن صبر وقت إصابتها، كما في الخبر " إنما الصبر عند أول صدمة " والمصيبة تعم ما يصيب الإنسان من مكروه في نفس أو مال أو أهل - قليلا كان المكروه أو كثيرا - حتى لدغ الشوكة، ولسع البعوضة، وانقطاع الشسع، وانطفاء المصباح، وقد استرجع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وقال: " كل ما يؤذي المؤمن فهو مصيبة له وأجر " وليس الصبر بالاسترجاع باللسان، بل الصبر باللسان وبالقلب بأن يخطر بباله ما خلق لأجله من معرفة الله تعالى وتكميل نفسه، وأنه راجع إلى ربه وعائد إليه بالبقاء السرمدي، ومرتحل عن هذه الدنيا الفانية وتارك لها على علاتها، ويتذكر نعم الله تعالى عليه ليرى ما أعطاه أضعاف ما أخذ منه فيهون على نفسه ويستسلم له، والصبر من خواص الإنسان لأنه يتعارض فيه العقل والشهوة، والاسترجاع من خواص هذه الأمة، فقد أخرج الطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أعطيت أمتي شيئا لم يعطه أحد من الأمم، أن تقول عند المصيبة إنا لله وإنا إليه راجعون " وفي رواية: أعطيت هذه الأمة عند المصيبة شيئا لم تعطه الأنبياء قبلهم، إنا لله وإنا إليه راجعون ولو أعطيها الأنبياء قبلهم لأعطيها يعقوب إذ يقول: * (يا أسفى على يوسف) * (يوسف: 84) ويسن أن يقول بعد الاسترجاع: اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، فقد أخرج مسلم عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني الخ، إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيرا منها " قالت فلما توفي أبو مسلم قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله تعالى لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومفعول * (بشر) * محذوف أي برحمة عظيمة وإحسان جزيل [بم بدليل قوله تعالى:
* (أول‍ائك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأول‍ائك هم المهتدون) * * (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) * الصلاة في الأصل على ما عليه أكثر أهل اللغة الدعاء ومن الله تعالى الرحمة، وقيل: الثناء، وقيل: التعظيم، وقيل: المغفرة، وقال: الإمام الغزالي: الاعتناء بالشأن، ومعناها الذي يناسب أن يراد هنا سواء كان حقيقيا أو مجازيا الثناء والمغفرة لأن إرادة الرحمة يستلزم التكرار، ويخالف ما روي " نعم العدلان للصابرين الصلاة والرحمة " وحملها على التعظيم والاعتناء بالشأن يأباهما صيغة الجمع ثم إن جوزنا إرادة المعنيين بتجويز عموم المشترك أو الجمع بين الحقيقة والمجاز أو بين المعنيين المجازيين يمكن إرادة المعنيين المذكورين كليهما وإلا فالمراد أحدهما
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»