* (أولائك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) * المراد استمرار ذلك وداومه فهذا الحكم غير ما سبق إذ المراد منه حدوث اللعنة ووقوعها عليهم وليس المقصود من ذكر - الملائكة والناس - التخصيص لينافي العموم السابق ولا العموم ليرد خروج المهيمين الذي لا شعور لهم بذواتهم وكثير من الأتقياء الذين لا يلعنون أحدا بل المقصود أنه يلعنهم هؤلاء المعتدون من خلقه و (أجمعين) تأكيد بالنسبة إلى الكل لا للناس فقط، والمراد بهم المؤمنون لأنهم المعتدون منهم، والكفار كالأنعام لأنه لا يحسم مادة الإشكال، وقيل: إنه باقي على عمومه والكفار يلعن بعضهم بعضا يوم القيامة، أو الجملة مساقة للاخبار باستحقاق أولئك اللعن من العموم لا بوقوعه بالفعل ولم يكرر اللعنة هنا كما كرر الفعل قبل اكتفاءا به وافتنانا في النظم الكريم ومناسبة لما يشعر به التأكيد. وقرأ الحسن (والملائكة والناس أجمعون) بالرفع، وخرج على وجوه، فقيل: عطف على * (لعنة) * بتقدير لعنة الله ولعن الملائكة فحذف المضاف من الثاني وأقيم المضاف إليه مقامه، وقيل: مبتدأ محذوف الخبر أي - والملائكة والناس يلعنونهم - أو فاعل لفعل محذوف أي يلعنهم، وقيل إن * (لعنة) * مصدر مضاف إلى فاعله والمرفوع معطوف على محله، وقد أتبعت العرب فاعل المصدر على محله رفعا كقوله: مشى الهلوك عليها الخيعل (الفضل) برفع الفضل وهو صفة للهلوك على الموضع، وإذا ثبت في النعت جاز في العطف إذ لا فارق بينهما، وادعى أبوحيان عدم الجواز لأن شرط العطف على الموضع أن يكون ثمت طالب ومحرز للموضع لا يتغير، وأيضا * (لعنة) * وإن سلم مصدريته فهو إنما يعمل إذا انحل - لأن، والفعل - وهنا المقصود الثبوت فلا يصح انحلاله لهما وسلمه له غيره، وقالوا: إنه مذهب سيبويه.
* (خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون) * * (خالدين فيهآ) * أي في اللعنة، وهو يؤكد ما تفيده اسمية الجملة من الثبات، وجوز رجوع الضمير إلى النار والاضمار قبل الذكر يدل على حضورها في الذهن المشعر بالاعتناء المفضي إلى التفخيم والتهويل، وقيل: إن اللعن يدل عليها استقرار الطرد عن الرحمة يستلزم الخلود في النار خارجا وذهنا، والموت على الكفر وإن استلزم ذلك خارجا لكنه لا يستلزمه ذهنا فلا يدل عليه، و * (خالدين) * على كلا التقديرين في المرجع حال مقارن لاستقرار اللعنة لا كما قيل: إنه على الثاني حال مقدرة. * (لا يخفف عنهم العذاب) * إما مستأنف لبيان كثرة عذابهم من حيث الكيف إثر بيان كثرته من حيث الكم، وإما حال من ضمير عليهم أيضا أو من ضمير * ( خالدين) *.
* (ولا هم ينظرون) * عطف على ما قبله جار فيه ما جرى فيه، وإيثار الجملة الاسمية لإفادة دوام النفي واستمراره، والفعل إما من الإنظار بمعنى التأخير - أي لا يمهلون - عن العذاب ولا يؤخرون عنه ساعة. وإما من النظر بمعنى الانتظار أي - لا ينتظرون - ليعتذروا، وإما من النظر بمعنى الرؤية أي - لا ينظر الله تعالى إليهم نظر رحمة - والنظر بهذا المعنى يتعدى بنفسه أيضا كما في " الأساس " فيصاغ منه المجهول.
* (وإلاهكم إلاه واحد لا إلاه إلا هو الرحمان الرحيم) * * (وإلاهكم إلاه واحد) * نزلت كما روي عن ابن عباس لما قال كفار قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: صف لنا ربك، والخطاب عام لكل من يصح أن يخاطب كما هو الظاهر غير مختص بشأن النزول، والجملة معطوفة على * (إن الذين يكتمون) * (البقرة: 159) عطف القصة على القصة، والجامع أن الأولى مسوقة لإثبات نبوته صلى الله عليه وسلم، وهذه لإثبات وحدانيته تعالى، وقيل: الخطاب للكاتمين، وفيه انتقال عن زجرهم عما يعاملون رسولهم إلى زجرهم عن معاملتهم ربهم حيث يكتمون وحدانيته، ويقولون: - عزير، وعيسى - ابنان لله عز وجل، وفيه أنه وإن حسن الانتظام إلا أنه فيه خروج شأن النزول عن الآية - وهو باطل - وإضافة - إله - إلى ضمير المخاطبين باعتبار الاستحقاق لا باعتبار الوقوع فإن الآلهة الغير المستحقة كثيرة، وإعادة