وتقييد بدليل خارجي لا يقتضي اعتبار ذلك التخصيص أو التقييد في الراجع، واستدل بالآية على أن قولهما يقبل فيما خلق الله تعالى في أرحامهن إذ لولا قبول ذلك لما كان فائدة في تحريم كتمانهن، قال ابن الفرس: وعندي أن الآية عامة في جميع ما يتعلق بالفرج من بكارة وثيوبة وعيب لأن كل ذلك مما خلق الله تعالى في أرحامهن فيجب أن يصدقن فيه، وفيه تأمل:
* (إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر) * شرط لقوله تعالى: * (لا يحل) * لكن ليس الغرض منه التقييد حتى لو لم يؤمن كالكتابيات - حل لهن الكتمان - بل بيان منافاة الكتمان للإيمان وتهويل شأنه في قلوبهن، وهذه طريقة متعارفة يقال: إن كنت مؤمنا فلا تؤذ أباك، وقيل: إنه شرط جزاؤه محذوف - أي فلا يكتمن - وقوله سبحانه: * (لا يحل) * علة له أقيم مقامه، وتقدير الكلام: إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر لا يكتمن ما خلق الله في أرحامهن لأنه لا يحل لهن وفيه: " أن لا يكتمن المقدر " إن كان نهيا يلزم تعليل الشيء بنفسه، وإن كان نفيا يكون مفاد الكلام تعليق عدم وقوع الكتمان في المستقبل بأيمانهم في الزمان الماضي وهو كما ترى * (وبعولتهن) * أي أزواج المطلقات جمع - بعل - كعم وعمومة، وفحل وفحولة - والهاء - زائدة مؤكدة لتأنيث الجماعة، والأمثلة سماعية لا قياسية، لا يقال: كعب وكعوبة، قاله الزجاج. وفي " القاموس ": " البعل الزوج والأنثى - بعل وبعلة - والرب والسيد والمالك، والنخلة التي لا تسقى أو تسقى بماء المطر " وقال الراغب: - البعل - النخل الشارب بعروقه، عبر به عن الزوج لإقامته على الزوجة للمعنى المخصوص، وقيل: باعلها جامعها، وبعل الرجل إذا دهش فأقام كأنه النخل الذي لا يبرح، ففي اختيار لفظ - البعولة - إشارة إلى أن أصل الرجعة بالمجامعة، وجوز أن يكون - البعولة - مصدرا نعت به من قولك: بعل حسن البعولة - أي العشرة مع الزوجة - أو أقيم مقام المضاف المحذوف، أي وأهل بعولتهن * (أحق بردهن) * إلى النكاح والرجعة إليهن، وهذا إذا كان الطلاق رجعيا للآية بعدها، فالضمير - بعد اعتبار القيد - أخص من المرجوع إليه، ولا امتناع فيه كما إذا كرر الظاهر، وقيل: بعولة المطلقات أحق بردهن وخصص بالرجعي، و * (أحق) * ههنا بمعنى - حقيق - عبر عنه بصيغة التفضيل للمبالغة، كأنه قيل: للبعولة حق الرجعة، أي حق محبوب عند الله تعالى بخلاف الطلاق فإنه مبغوض، ولذا ولد للتنفير عنه: " أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق " وإنما لم يبق على معناه من المشاركة والزيادة إذ لا حق للزوجة في الرجعة كما لا يخفى. وقرأ أبي * (بردتهن) * * (في ذالك) * أي زمان - التربص - وهو متعلق ب * (- أحق) * أو * (بردهن) * * (إن أرادوا إصلاحا) * أي إن أراد البعولة بالرجعة إصلاحا لما بينهم وبينهن، ولم يريدوا الإضرار بتطويل العدة عليهن مثلا، وليس المراد من التعليق اشتراط جواز الرجعة بإرادة الإصلاح حتى لو لم يكن قصده ذلك لا تجوز للإجماع على جوازها مطلقا، بل المراد تحريضهم على قصد الإصلاح حيث جعل كأنه منوط به ينتفي بانتفائه * (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) * فيه صنعة الاحتباك، ولا يخفى لطفه فيما بين الزوج والزوجة حيث حذف في الأول بقرينة الثاني، وفي الثاني بقرينة الأول كأنه قيل: ولهن عليهم مثل الذي لهم عليهن، والمراد - بالمماثلة - المماثلة في الوجوب - لا في جنس الفعل - فلا يجب عليه إذا غسلت ثيابه أو خبزت له أن يفعل لها مثل ذلك، ولكن يقابله بما يليق بالرجال، أخرج الترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه