تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٣٠
أو الحكم، وقالت الشافعية: لا إيلاء إلا في أكثر من أربعة أشهر فلو قال: والله لا أقربك أربعة أشهر لا يكون إيلاء شرعا عندهم ولا يترتب حكمه عليه بل هو يمين كسائر الأيمان، إن حنث كفر، وإن بر فلا شيء عليه، وللمولي التلبث في هذه المدة فلا يطالب بفيء ولا طلاق، فإن فاء في اليمين بالحنث فإن الله غفور رحيم للمولي إثم حنثه إذا كفر كما في الجديد، أو ما توخى بالإيلاء من ضرار المرأة ونحوه بالفيئة التي هي كالتوبة وإن عزم الطلاق فإن الله سميع لطلاقه * (عليم) * بنيته، وإذا مضت المدة ولم يفىء ولم يطلق طولب بأحد الأمرين، فإن أبى عنهما طلق عليه الحاكم؛ وأيد كون مدته أكثر من أربعة أشهر بأن - الفاء - في الآية للتعقيب فتدل على أن حكم الإيلاء من الفيئة والطلاق يترتب عليه بعد مضي أربعة أشهر، فلا يكون الإيلاء في هذه المدة إيلاءا شرعا لانتفاء حكمه - وبذلك اعترضوا على الحنفية - واعترضوا عليهم أيضا بأنه لو لم يحتج إلى الطلاق بعد مضي المدة لزم وقوع الطلاق من غير موقع، وإن النص يشير إلى أنه مسموع، فلو بانت من غير طلاق لا يكون ههنا شيء مسموع، وأجيب عن الأول بأن - الفاء - للتعقيب في الذكر، وعن الثاني بأن المسموع ما يقارن ذلك الترك من المقاولة والمجادلة وحديث النفس به كما يسمع وسوسة الشيطان عليهم بما استمروا عليه من الظلم أو الإيلاء الذي صار طلاقا بائنا بالمضي، وهذا أنسي بقوله سبحانه وتعالى: * (فإن عزموا الطلاق) * حيث اكتفى بمجرد العزم بخلاف ما قالته الشافعية من أنه يحتاج إلى الطلاق بعد مضي المدة فإنه يحتاج إلى التقدير، وبعده لا يحتاج إلى (عزموا) أو يحتاج إلى جعل (عزم الطلاق) كناية عنه، فما قيل: من أن الآية بصريحها مع الشافعي ليس في محله، وقد ذهب إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة وكثير من الإمامية. وأخرج عبد بن حميد عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: الإيلاء إيلاءان إيلاء في الغضب، وإيلاء في الرضا، فأما الإيلاء في الغضب فإذا مضت أربعة أشهر فقد بانت منه، وأما ما كان في الرضا فلا يؤاخذ به. وأخرج عبد الرزاق عن سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنهما قال: أتى رجل عليا كرم الله تعالى وجهه فقال: إني حلفت أن لا آتي امرأتي سنتين فقال: ما أراك إلا قد آليت، قال إنما حلفت من أجل أنها ترضع ولدي، قال فلا إذا. وروي عن إبراهيم " ما أعلم الإيلاء إلا في الغضب لقوله سبحانه وتعالى: * (فإن فاءوا) * وإنما الفيء من الغضب " وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، واستدل بعموم الآية على صحة الإيلاء من الكافر، وبأي يمين كان، ومن غير المدخول بها والصغيرة والخصي وأن العبد تضرب له الأربعة أشهر كالحر. واستدل بتخصيص هذا الحكم بالمولي على أن من ترك الوطء ضرارا بلا يمين لا يلزمه شيء، وما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت وهي تعظ خالد بن سعيد المخزومي وقد بلغها أنه هجر امرأته: إياك يا خالد وطول الهجر، فإنك قد سمعت ما جعل الله تعالى للمولي من الأجل محمول على إرادة العطف والتحذير من التشبه بالإيلاء.
* (والمطلق‍ات يتربصن بأنفسهن ثل‍اثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله فىأرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الاخر وبعولتهن أحق بردهن في ذالك إن أرادوا إصل‍احا ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم) * * (والمطلق‍ات) * أي ذوات الأقراء من الحرائر المدخول بهن، لما قد بين في الآيات والأخبار أن لا عدة على غير المدخول لها وأن عدة من لا تحيض لصغر أو كبر أو حمل بالأشهر ووضع الحمل، وأن عدة الأمة قرآن أو شهران - فأل - ليست للاستغراق لأنه ههنا متعذر لما بين، فتحمل على الجنس كما في - لا أتزوج النساء - ويراد منه ما ذكر بقرينة الحكم، وهذا مذهب ساداتنا الحنفية لأن الكلام المستقل الغير الموصول عندهم ناسخ للعام، والنسخ إنما يصح إذا ثبت عموم الحكم السابق - لا عموم ههنا - وقال الشافعية: إن (المطلقات) عام وقد خص البعض بكلام مستقل غير موصول، واعترضه الإمام بأن التخصيص إنما يحسن إذا كان الباقي
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»