تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٣٩
إلا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة قال: هو ما أردت فردها عليه " وهذا لا يصلح دليلا لتلك الدعوى لأن الطلاق فيه كناية ونية العدد فيها معتبرة، وقد يستدل به على صحة وقوع الثلاث بلفظ واحد لأنه دل على أنه لو أراد ما زاد على الواحدة وقع وإلا لم يكن للاستحلاف فائدة والقياس على شهادات اللعان ورمي الجمرات قياس في غير محله، ألا ترى أنه لا يمكن الاكتفاء ببعض ذلك بوجه ويمكن الاكتفاء ببعض وحدات الثلاث في الطلاق وتحصل به البينونة بانقضاء العدة ويتم الغرض إجماعا، ولعظم أمر اللعان لم يكتف فيه إلا بالاتيان بالشهادات واحدة واحدة مؤكدات بالأيمان مقرونة، خامستها باللعن في جانب الرجل لو كان كاذبا وفي جانبها بالغضب لو كان صادقا فلعل الرجوع أو الإقرار يقع في البين فيحصل الستر أو يقام الحد ويكفر الذنب، وأيضا الشهادات الأربع من الرجل منزلة منزلة الشهود الأربعة المطلوبة في رمي المحصنات مع زيادة كما يشير إليه قوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم) * (النور: 4) مع قوله سبحانه بعده: * (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات) * (النور: 6) الخ فكما أن - شهادة الشهود - متعددة لا يكفي فيها اللفظ الواحد كذلك المنزل منزلتها، ورمي الجمرات وتسبيعها أمر تعبدي وسره خفي فيحتاط له ويتبع المأثور فيه حذو القذة بالقذة، وباب الطلاق ليس كهذين البابين على أن من الاحتياط فيه أن نوقعه ثلاثا بلفظ واحد ومجلس واحد، ولا نلغي فيه لفظ الثلاث التي لم يقصد بها إلا إيقاعه على أتم وجه وأكمله، وما ذكر في مسألة الحلف على أن لا يصلين ألف مرة من أنه لا يبر ما لم يأت بآحاد الألف فأمر اقتضاه القصد والعرف، وذلك وراء ما نحن فيه كما لا يخفى، ولهذا ورد عن أهل البيت ما يؤيد مذهب أهل السنة فقد أخرج البيهقي عن بسام الصيرفي قال: " سمعت جعفر بن محمد يقول من طلق امرأته ثلاثا بجهالة أو علم فقد برئت "، وعن مسلمة بن جعفر الأحمس قال: " قلت لجعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما يزعمون أن من طلق ثلاثا بجهالة رد إلى السنة يجعلونه واحدة يروونها عنكم؟ قال: معاذ الله ما هذا من قولنا من طلق ثلاثا فهو كما قال "، وقد سمعت ما رويناه عن الحسن؛ وما أخذ به الإمامية يروونه عن علي كرم الله تعالى وجهه مما لا ثبت له والأمر على خلافه، وقد افتراه على علي كرم الله تعالى وجهه شيخ بالكوفة وقد أقر بالافتراء لدى الأعمش رحمه الله تعالى فليحفظ ما تلوناه فإني لا أظنك تجده مسطورا في كتاب.
* (ولا يحل لكم أن تأخذوا) * في مقابلة الطلاق * (ممآ اتيتموهن) * أي من الصدقات فإن ذلك مناف للإحسان ومثلها في الحكم سائر أموالهن إلا أن التخصيص إما لرعاية العادة أو للتنبيه على أن عدم حل الأخذ مما عدا ذلك من باب الأولى، والجار والمجرور يحتمل أن يكون متعلقا بما عنده أو حال من * (شيئا) * لأنه لو أخر عنه كان صفة له، والتنوين للتحقير، والخطاب مع الحكام، وإسناد الأخذ والإيتاء إليهم لأنهم الآمرون بهما عند الترافع، وقيل: إنه خطاب للأزواج، ويرد عليه أن فيه تشويشا للنظم الكريم لأن قوله تعالى: * (إلا أن يخافا) * أي الزوجان كلاهما أو أحدهما * (ألا يقيما حدود الله) * بترك إقامة مواجب الزوجية غير منتظم معه لأن المعبر عنه في الخطاب الأزواج فقط، وفي الغيبة الأزواج والزواجات ولا يمكن حمله على الالتفات إذ من شرطه أن يكون المعبر عنه في الطريقين واحدا، وأين هذا الشرط نعم لهذا القيل وجه صحة لكنها لا تسمن ولا تغني، وهو أن الاستثناء لما كان بعد مضي جملة الخطاب من أعم الأوال أو الأوقات "
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 139 140 141 142 143 144 ... » »»