تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٣٣
الشيخان في قصة ابن عمر رضي الله تعالى عنه لضعفه لأن فيه مظاهرا ولم يعرف له سواه، لا يخلو عن بحث، أما أولا: فلما علمت أن ذلك الحديث ليس بنص في المدعى، وأما ثانيا: فلأن تعليل تضعيف مظاهر غير ظاهر، فإن ابن عدي أخرج له حديثا آخر ووثقه ابن حبان، وقال الحاكم: ومظاهر شيخ من أهل البصرة ولم يذكره أحد من متقدمي مشايخنا بجرح فإذا إن لم يكن الحديث صحيحا كان حسنا، ومما يصحح الحديث عمل العلماء على وفقه قال الترمذي عقيب روايته: حديث غريب والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وفي الدارقطني قال القاسم وسالم: وعمل به المسلمون، وقال مالك: شهرة الحديث تغني عن سنده كذا في " الفتح "، ومن أصحابنا من استدل بأنه لو كان المراد من القرء الطهر لزم إبطال موجب الخاص أعني لفظ (ثلاثة) فإنه حينئذ تكون العدة طهرين، وبعض الثالث في الطلاق المشهور ولايخفى أنه كأمثاله في هذا المقام ناشيء عن قلة التدبر فيما قاله الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه فلهذا اعترضوا به عليه لأنه إنما جعل القرء الانتقال من الطهر إلى الحيض، أو الطهر المنتقل منه لا الطهر الفاصل بين الدمين والانتقال المذكور، أو الطهر المنتقل منه تام على أن كون الثلاثة اسما لعدد كامل غير مسلم، والتحقيق فيه أنه إذا شرع في الثالث ساغ الإطلاق ألا تراهم يقولون هو ابن ثلاث سنين وإن لم تكمل الثالثة، وذلك لأن الزائد جعل فردا مجازا ثم أطلق على المجموع اسم العدد الكامل، ومن الشافعية من جعل القرء اسما للحيض الذي يحتوشه دمان وجعل إطلاقه على بعض الطهر وكله، كإطلاق الماء والعسل، قالوا: والاشتقاق مرشد إلى معنى الضم والاجتماع، وهذا الطهر يحصل فيه اجتماع الدم في الرحم وبعضه وكله في الدلالة على ذلك على السواء - وأطالوا الكلام في ذلك - والإمامية وافقوهم فيه واستدلوا عليه برواياتهم عن الأئمة والرواية عن علي كرم الله تعالى وجهه في هذا الباب مختلفة، وبالجملة كلام الشافعية في هذا المقام قوي كما لا يخفى على من أحاط بأطراف كلامهم واستقرأ ما قالوه وتأمل ما دفعوا به أدلة مخالفيهم وفي " الكشف " بعض الكشف وما في " الكشاف " غير شاف لبغيتنا، وهذا المقدار يكفي أنموذجا. هذا وكان القياس ذكر القرء بصيغة القلة التي هي الأقراء ولكنهم يتوسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من البناءين مكان الآخر ولعل النكتة المرجحة لاختياره ههنا أن المراد بالمطلقات ههنا جميع المطلقات ذوات الأقراء الحرائر وجميعها متجاوز فوق العشرة فهي مستعملة مقام جمع الكثرة ولكل واحدة منها ثلاثة أقراء فيحصل في الأقراء الكثرة فحسن أن يستعمل جمع الكثرة في تمييز الثلاثة تنبيها على ذلك وهذا كما استعمل (أنفسهن) مكان نفوسهن للإشارة إلى أن الطلاق ينبغي أن يقع على القلة * (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله فيأرحامهن) * قال ابن عمر: الحمل والحيض أي لا يحل لها إن كانت حاملا أن تكتم حملها ولا إن كانت حائضا أن تكتم حيضها فتقول وهي حائض: قد طهرت وكن يفعلن الأول: لئلا ينتظر لأجل طلاقها أن تضع ولئلا يشفق الرجل على الولد فيترك تسريحها والثاني: استعجالا لمضي العدة وإبطالا لحق الرجعة وهذا القول هو المروي عن الصادق والحسن ومجاهد وغيرهم والقول - بأن الحيض غير مخلوق في الرحم بل هو خارج عنه - فلا يصح حمل (ما) على عمومها بل يتعين حملها على الولد وهو المروي عن ابن عباس وقتادة مدفوع بأن ذات الدم وإن كان غير مخلوق في الرحم لكن الاتصاف بكونه حيضا إنما يحصل له فيه، وما قيل: إن الكلام في المطلقات ذوات الأقراء فلا يحتمل خلق الولد في أرحامهن فيجب حمل (ما) على الحيض كما حكي عن عكرمة فمدفوع أيضا بأن تخصيص العام
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 139 ... » »»