تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٩٣
لا يخرج عن الوقت ولا يدخل فيما يورث المقت * (ولا جدال في الحج) * أي ولا ينازع أحدا في مقام التوجه إليه تعالى إذ الكل منه وإليه ومن نازعه في شيء ينبغي أن يسلمه إليه ويسلم عليه * (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) * (الفرقان: 63) * (وما تفعلوا) * من فضيلة في ترك شيء من هذه الأمور * (يعلمه الله) * ويثيبكم عليه، * (وتزودوا) * من الفضائل التي يلزمها الاجتناب عن الرذائل * (فإن خير الزاد التقوى) * وتمامها بنفي السوي * (واتقون يا أولي الألباب) * (البقرة: 197) فإن قضية العقل الخالص عن شوب الوهم وقشر المادة اتقاء الله تعالى * (ليس عليكم) * حرج عند الرجوع إلى الكثرة أن تطلبوا رفقا لأنفسكم على مقتضى ما حده المظهر الأعظم صلى الله عليه وسلم فإذا دفعتم أنفسكم من عرفات المعرفة * (فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * أي شاهدوا جماله سبحانه عند السر الروحي المسمى بالخفي وسمي مشعرا لأنه محل الشعور بالجمال، ووصف بالحرام لأنه محرم أن يصل إليه الغير * (واذكروه كما هداكم) * إلى ذكره في المراتب * (وإن كنتم من) * قبل الوصول إلى عرفات المعرفة والوقوف بها * (لمن الضالين) * (البقرة: 198) عن هذه الأذكار في طلب الدنيا * (ثم أفيضوا) * إلى ظواهر العبادات * (من حيث أفاض) * سائر الناس إليها وكونوا كأحدهم فإن النهاية الرجوع إلى البداية أو أفيضوا من حيث أفاض الأنبياء عليهم السلام لأجل أداء الحقوق والشفقة على عباد الله تعالى بالإرشاد والتعليم * (واستغفروا الله) * فقد كان الشارع الأعظم صلى الله عليه وسلم يغان على قلبه ويستغفر الله تعالى في اليوم سبعين مرة، ومن أنت يا مسكين بعده * (إن الله غفور رحيم) * (البقرة: 199) * (فإذا قضيتم مناسككم) * وفرغتم من الحج * (فاذكروا الله كذكركم آباءكم) * قبل السلوك * (أو أشد ذكرا) * لأنه المبدأ الحقيقي فكونوا مشغولين به حسبما تقتضيه ذاته سبحانه * (فمن الناس) * من لا يطلب إلا الدنيا ولا يعبد إلا لأجلها * (وماله) * (البقرة: 200) في مقام الفناء من نصيب لقصور همته واكتسابه الظلمة المنافية للنور؛ ومنهم من يطلب خير الدارين ويحترز عن الاحتجاب بالظلمة والتعذيب بنيران الطبيعة * (أولئك لهم نصيب مما كسبوا) * (البقرة: 202) من حظوظ الآخرة والأنوار الباهرة واللذات الباقية والمراتب العالية والله سريع الحساب.
* (واذكروا الله فىأيام معدودات فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلاإثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) * * (واذكروا الله) * أي كبروه إدبار الصلوات وعند ذبح القرابين ورمي الجمار وغيرها. * (في أيام معدودات) * وهي ثلاثة أيام التشريق وهو المروي في المشهور عن عمرو وعلي وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها أربعة أيام بضم يوم النحر إليها، واستدل بعضهم للتخصيص بأن هذه الجملة معطوفة على قوله سبحانه. * (فاذكروا الله) * (البقرة: 200) الخ فكأنه قيل: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله في أيام معدودات، والفاء للتعقيب فاقتضى ذلك إخراج يوم النحر من الأيام، ومن اعتبر العطف والتعقيب وجعل بعض يوم يوما استدل بالآية على ابتداء التكبير خلف الصلاة من ظهر يوم النحر، واستدل بعمومها من قال: يكبر خلف النوافل. واستشكل وصف أيام بمعدودات لأن أياما جمع يوم وهو مذكر، ومعدودات واحدها معدودة وهو مؤنث فكيف تقع صفة له، فالظاهر معدودة ووصف جمع ما لا يعقل بالمفرد المؤنث جائز، وأجيب بأن معدودات جمع معدود لا معدودة، وكثيرا ما يجمع المذكر جمع المؤنث كحمامات وسجلات، وقيل: إنه قدر اليوم مؤنثا باعتبار ساعاته، وقيل: إن المعنى أنها في كل سنة معدودة، وفي السنين معدودات فهي جمع معدودة حقيقة ولا يخفى ما فيه.
* (فمن تعجل) * أي عجل في النفر أو استعجل النفر من منى، وقد ذكر غير واحد أن عجل واستعجل يجيئان مطاوعين بمعنى عجل يقال: تعجل في الأمر واستعجل، ومتعديين يقال: تعجل الذهاب، والمطاوعة عند الزمخشري أوفق لقوله تعالى: * (ومن تأخر) * كما هي كذلك في قوله:
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»