تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٩٢
الحواس وهواجس الخيال ووساوس النفس الأمارة * (وأتوا) * هاتيك * (البيوت من أبوابها) * التي تلي الروح، ويدخل منها الحق * (واتقوا الله) * (البقرة: 189) عن رؤية تقواكم لعلكم تفوزون به * (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) * من قوى نفوسكم ودواعي بشريتكم فإن ذلك هو الجهاد الأكبر * (ولا تعتدوا) * بإهمالها والوقوف مع حظوظها أو لا تتجاوزوا في القتال إلى أن تضعفوا البدن عن القيام بمراسم الطاعة، ووظائف العبودية: فرب مخمصة شر من التخم * (إن الله لا يحب المعتدين) * (البقرة: 190) الواقفين مع نفوسهم أو المتجاوزين ظل الوحدة وهو العدالة * (واقتلوهم) * حيث وجدتموهم أي امنعوا هاتيك القوى عن شم لذائذ الشهوات والهوى حيث كانوا * (وأخرجوهم) * عن مكة الصدر كما أخرجوكم عنها واستنزلوكم إلى بقعة النفس وحالوا بينكم وبين مقر القلب وفتنتهم التي هي عبادة الهوى والسجود لأصنام اللذات أشد من الإماتة بالكلية أو بلاؤكم عند استيلاء النفس أشد عليكم من القتل الذي هو محو الاستعداد وطمس الغرائز لما يترتب على ذلك من ألم الفراق عن حضرة القدس الذي لا يتناهى * (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام) * وهو مقام القلب إذا وافقوكم في توجهكم حتى ينازعوكم في مطالبكم ويجروكم عن دين الحق ويدعوكم إلى عبادة عجل النظر إلى الأغيار فإن نازعوكم * (فاقتلوهم) * بسيف الصدق واقطعوا مادة تلك الدواعي * (كذلك جزاء الكافرين) * (البقرة: 191) الساترين للحق * (فإن انتهوا) * عن نزاعهم * (فإن الله غفور رحيم) * (البقرة: 192) * (وقاتلوهم) * على دوام الرعاية وصدق العبودية * (حتى لا تكون فتنة) * ولا يحصل التفات إلى السوي * (ويكون الدين كله لله) * بتوجه الجمع إلى الجناب الأقدس والذات المقدس * (فإن انتهوا فلا عدوان) * (البقرة: 193) إلا على المجاوزين للحدود * (الشهر الحرام) * الذي قامت به النفس لحقوقها * (بالشهر الحرام) * الذي هو وقت حضوركم ومراقبتكم * (والحرمات قصاص) * (البقرة: 194) فلا تبالوا بهتك حرمتها * (وأنفقوا في سبيل الله) * ما معكم من العلوم بالعمل به والإرشاد - * (ولا تلقوا بأيديكم) * إلى تهلكة التفريط وأحسنوا - (البقرة: 195) بأن تكونوا مشاهدين ربكم في سائر أعمالكم إن الله يحب المشاهدين له، - وأتموا حج - توحيد الذات وعمرة توحيد الصفات لله بإتمام جميع المقامات والأحوال * (فإن أحصرتم) * بمنع أعداء النفوس أو مرض الفتور فجاهدوا في الله بسوق هدي النفس وذبحها بفناء كعبة القلب، ولاختلاف النفوس في الاستعداد قال: (ما استيسر) * (ولا تحلقوا رؤوسكم) * ولا تزيلوا آثار الطبيعة وتختاروا فراغ الخاطر حتى يبلغ هدي النفس محله فحينئذ تأمنون من التشويش وتكدر الصفاء * (فمن كان منكم مريضا) * ضعيف الاستعداد * (أو به أذى من رأسه) * أي مبتلى بالتعلقات ولم يتيسر له السلوك على ما ينبغي فعليه فدية من إمساك عن بعض لذاته وشواغله أو فعل برأ ورياضة تقمع بعض القوى * (فإذا أمنتم) * من المانع المحصر * (فمن تمتع) * بذوق تجلي الصفات متوسلا به إلى حج تجلي الذات فيجب عليه ما أمكن من الهدي بحسب حاله * (فمن لم يجد) * لضعف نفسه وانقهارها * (فصيام ثلاثة أيام في الحج) * أي فعليه الإمساك عن أفعال القوى التي هي الأصول القوية في وقت التجلي والاستغراق في الجمع والفناء وهي العقل والوهم والمتخيلة * (وسبعة إذا رجعتم) * إلى مقام التفصيل والكثرة، وهي الحواس الخمسة الظاهرة والغضب والشهوة لتكون عند الاستقامة في الأشياء بالله عز وجل * (تلك عشرة كاملة) * موجبة لأفاعيل عجيبة مشتملة على أسرار غريبة * (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) * (البقرة: 196) من الكاملين الحاضرين مقام الوحدة لأن أولئك لا يخاطبون ولا يعاتبون ومن وصل فقد استراح * (الحج أشهر معلومات) * وهي مدة الحياة الفانية أو من وقت بلوغ الحلم إلى الأربعين كما قال في البقرة: * (لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك) * (البقرة: 68). ومن هنا قيل: الصوفي بعد الأربعين بارد، نعم العمش خير من العمى والقليل خير من الحرمان * (فمن فرض فيهن الحج) * على نفسه بالعزيمة * (فلا رفث) * أي فلا يمل إلى الدنيا وزينتها * (ولا فسوق) * ولا يخرج القوة الغضبية عن طاعة القلب بل
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»