تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٩٩
أيضا لكنهم لم يصلوا فيه إلى رتبة أهل الكتاب لما أنهم أميون عارون عن سائر العلوم جاهلون بوظائف البحث بالكلية نظرا إلى أولئك القائمين على ساق الجدال وإن القرينتين السابقة واللاحقة على التقييد في غاية الخفاء وأن ما روي في سبب النزول ليس مذكورا في شيء من كتب الحديث ولا التفاسير المعتبرة كما نص على ذلك الإمام السيوطي وكفى به حجة في هذا الشأن.
* (وهو ربنا وربكم) * جملة حالية أي أتجادلوننا والحال أنه لا وجه للمجادلة أصلا لأنه تعالى مالك أمرنا وأمركم * (ولنا أعم‍النا ولكم أعم‍الكم) * عطف على ما قبله أي لنا جزاء أعمالنا الحسنة الموافقة لأمره ولكم جزاء أعمالكم السيئة المخالفة لحكمه * (ونحن له مخلصون) * في تلك الأعمال لا نبتغي بها إلا وجهه فأنى لكم المحاجة ودعوى حقيقة ما أنتم عليه والقطع بدخول الجنة بسببه ودعوة الناس إليه. والجملة حالية كالتي قبلها، وذهب بعض المحققين أن هذه الجملة كجملتي * (ونحن له مسلمون) * (البقرة: 133) * (ونحن له عابدون) * (البقرة: 138) اعتراض وتذييل للكلام الذي عقب به مقول على ألسنة العباد بتعليم الله تعالى لا عطف، وتحريره أن * (ونحن له مسلمون) * مناسب - لآمنا - أي نؤمن بالله وبما أنزل على الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم ونستسلم له وننقاد لأوامره ونواهيه وقوله تعالى: * (ونحن له عابدون) * ملائم لقوله تعالى: * (صبغة الله) * (البقرة: 138) لأنها بمعنى دين الله فالمصدر كالفذلكة لما سبق، وهذه الآية موافقة لما قبلها، ولعل الذوق السليم لا يأباه، وأما القول بأن معنى * (وهو ربنا) * الخ أنه لا اختصاص له تعالى بقوم دون قوم فيصيب برحمته من يشاء فلا يبعد أن يكرمنا بأعمالنا كما أكرمكم بأعمالكم كأنه ألزمهم على كل مذهب يفتحونه إفحاما وتبكيتا فإن كرامة النبوة إما تفضل من الله تعالى فالكل فيه سواء، وإما إفاضة حق على المستحقين لها بالمواظبة على الطاعة والتحلي بالإخلاص فكما أن لكم أعمالا ربما يعتبرها الله تعالى في إعطائها فلنا أيضا أعمال ونحن له مخلصون بها لا أنتم، فمع بنائه على ما علمت ركاكته غير ملائم لسباق النظم الكريم وسياقه بل غير صحيح في نفسه كما أفتى به مولانا مفتي الديار الرومية لما أن المراد بالأعمال من الطرفين ما أشير إليه من الأعمال الصالحة والسيئة ولا ريب أن أمر الصلاح والسوء يدور على موافقة الدين المبني على البعثة ومخالفته فكيف يتصور اعتبار تلك الأعمال في استحقاق النبوة واستعدادها المتقدم على البعثة بمراتب هذا؟! وقد اختلف الناس في الإخلاص، فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سألت جبريل عن الإخلاص ما هو؟ فقال: سألت رب العزة عنه فقال: سر من أسراري استودعته قلب من أحببته من عبادي " وقال سعيد بن جبير: الإخلاص أن لا تشرك في دينه ولا تراء أحدا في عمله، وقال الفضيل: ترك العمل من أجل الناس رياءا والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله تعالى منهما، وقال حذيفة المرعشي: أن تستوي أفعال العبد في الباطن والظاهر، وقال أبو يعقوب: المكفوف أن يكتم العبد حسناته كما يكتم سيآته، وقال سهل: هو الإفلاس، ومعناه احتقار العمل وهو معنى قول رويم - ارتفاع عملك عن الرؤية - قيل: ومقابل الإخلاص الرياء، وذكر سليمان الداراني ثلاث علامات له: الكسل عند العبادة في الوحدة والنشاط في الكثرة وحب الثناء على العمل.
* (أم تقولون إن إبراهيم وإسم‍اعيل وإسح‍اق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل ءأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شه‍ادة عنده من الله وما الله بغ‍افل عما تعملون) * * (أم تقولون إن إبرااهيم وإسم‍اعيل وإسح‍اق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نص‍ارى) * * (أم) * إما متصلة معادلة للهمزة في * (أتحاجوننا) * (البقرة: 139) داخلة ي حيز الأمر والمراد بالاستفهام إنكارهما معا بمعنى كل من الأمرين منكر ينبغي أن لا يكون إقامة الحجة وتنوير البرهان على حقية ما أنتم عليه، والحال ما ذكر والتشبث بذيل التقليد والافتراء
(٣٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 » »»