وتبيين ما هو الحق لديهم وإرشادهم إليه.
* (بل ملة إبرااهيم) * أي لا نكون كما تقولون، بل نكون ملة إبراهيم أي أهل - ملته - أو بل نتبع ملة إبراهيم. والأول: يقتضيه رعاية جانب لفظ ما تقدم - وإن احتاج إلى حذف المضاف والثاني: يقتضيه الميل إلى جانب المعنى إذ يؤل الأول إلى اتبعوا ملة اليهود أو النصارى مع عدم الاحتياج إلى التقدير، وجوز أن يكون المعنى بل اتبعوا أنتم ملته، أو كونوا أهل ملته، وقيل: الأظهر بل نؤتي ملة إبراهيم - ولم يظهر لي وجهه - وقرىء * (بل ملة) * بالرفع، أي بل ملتنا أو أمرنا ملته أو نحن ملته أي أهلها، وقيل: بل الهداية أو تهدي ملة إبراهيم وهو كما ترى * (حنيفا) * أي مستقيما أو مائلا عن الباطل إلى الحق ويوصف به المتدين والدين، وهو حال إما من المضاف بتأويل الدين أو تشبيها له بفعيل بمعنى مفعول كما قوله تعالى: * (إن رحمة الله قريب من المحسنين) * (الأعراق: 56) وهذا على قراءة النصب وتقدير (نتبع) ظاهر، وإما على تقدير تكون عليها فلأن ملة فاعل الفعل المستفاد من الإضافة أي تكون ملة ثبتت لإبراهيم، وعلى قراءة الرفع تكون الحال مؤكدة لوقوعها بعد جملة اسمية جزآها جامدان معرفتان مقررة لمضمونها لاشتهار ملته عليه الصلاة والسلام بذلك فالنظم على حد - أنا حاتم جوادا - أو من المضاف إليه بناءا على ما ارتضوه من أنه يجوز مجيء الحال منه في ثلاث صور: إذا كان المضاف مشتقا عاملا، أو جزءا، أو بمنزلة الجزء في صحة حذفه كما هنا فإنه يصح - اتبعوا إبراهيم - بمعنى اتبعوا ملته، وقيل: إن الذي سوغ وقوع الحال من المضاف إليه كونه مفعولا لمعنى الفعل المستفاد من الإضافة أو اللام - وإليه يشير كلام أبي البقاء - ولعله أولى لاطراده في التقدير الأول، وقيل: هو منصوب بتقدير أعني * (وما كان من المشركين) * عطف على (حنيفا) على طبق * (حنفاء لله غير مشركين به) * (الحج: 31) فهو حال من المضاف إليه لا من المضاف إلا أن يقدر - وما كان دين المشركين - وهو تكلف، والمقصود التعريض بأهل الكتاب والعرب الذين يدعون اتباعه ويدينون بشرائع مخصوصة به من حج البيت والختان وغيرهما فإن في كل طائفة منهم شركاء فاليهود قالوا - عزيز ابن الله - والنصارى - المسيح ابن الله - والعرب عبدوا الأصنام وقالوا الملائكة بنات الله.
* (قولوا ءامنا بالله ومآ أنزل إلينا ومآ أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ومآ أوتى موسى وعيسى ومآ أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) * * (قولوا ءامنا بالله) * خطاب للمؤمنين لا للكافرين - كما قيل - لما فيه من الكلف والتكلف وبيان للاتباع المأمور به فهو بمنزلة بدل البعض من قوله سبحانه: * (بل ملة إبراهيم) * (البقرة: 135) لأن الاتباع يشمل الاعتقاد والعمل وهذا بيان الاعتقاد أو بدل الاشتمال لما فيه من التفصيل الذي ليس في الأول، وقيل: استئناف كأنهم سألوا كيف الاتباع؟ فأجيبوا بذلك وأمر أولا: بصيغة الإفراد، وثانيا: بصيغة الجمع إشارة إلى أنه يكفي في الجواب قول الرسول صلى الله عليه وسلم من جانب كل المؤمنين بخلاف الاتباع فإنه لا بد فيه من قول كل واحد لأنه شرط الإيمان أو شطره قاله بعض المحققين، والقول بأنه بمنزلة البيان والتأكيد للقول الأول - ولذا ترك العطف - لا يخلو عن شيء وقدم الإيمان بالله سبحانه لأنه أول الواجبات ولأنه بتقدم معرفته تصح معرفة النبوات والشرعيات.
* (وما أنزل إلينا) * أي القرآن وهو وإن كان في الترتيب النزولي مؤخرا عن غيره لكنه في الترتيب الإيماني مقدم عليه لأنه سبب الإيمان بغيره لكونه مصدقا له ولذا قدمه.
* (وما أنزل إلى إبرااهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط) * يعني الصحف وهي وإن نزلت على إبراهيم عليه الصلاة والسلام لكن لما كان ما عطف عليه متعبدين بتفاصيلها داخلين تحت أحكامها صح نسبة