تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٩٨
شرط وجوب حذف عامله من كونه مؤكدا لمضمون الجملة إذ لو قدر منكرا لكان مؤكدا لمضمون أحد جزئيه أعني الفعل فقط نحو ضربت ضربا، وقيل: إنها منصوبة بفعل الإغراء أي ألزموا - صبغة الله - لا عليكم وإلا لوجب ذكره - كما قيل - وإليه ذهب الواحدي، ولا يجب حينئذ إضمار العامل لأنه مختص في الإغراء بصورتي التكرار أو العطف كالعهد العهد وكالأهل والولد، وذهب الأخفش والزجاج والكسائي وغيرهم إلى أنها بدل من * (ملة إبراهيم) * (البقرة: 135) * (ومن أحسن من الله صبغة) * مبتدأ وخبر، والاستفهام للإنكار، وقوله تعالى: * (صبغة) * تمييز منقول من المبتدأ نحو - زيد أحسن من عمرو وجها - والتقدير - ومن صبغته أحسن من صبغة الله تعالى - كما يقدر وجه زيد أحسن من وجه عمرو، والتفضيل جار بين الصبغتين لا بين فاعليهما أي لا صبغة أحسن من صبغته تعالى على معنى أنه أحسن من كل صبغة وحيث كان مدار التفضيل على تعميم - الحسن - للحقيقي والفرضي المبني على زعم الكفرة لم يلزم أن يكون في (صبغة) غيره تعالى حسن في الجملة، والجملة معترضة مقررة لما في صبغة الله تعالى من التبجح والابتهاج أو جارية مجرى التعليل للإغراء * (ونحن له عابدون) * أي موحدون أو مطيعون متبعون ملة إبراهيم أو خاضعون مستكنون في اتباع تلك الملة، وتقديم الجار لإفادة اختصاص العبادة له تعالى، وتقديم المسند إليه لإفادة قصر ذلك الاختصاص عليهم، وعدم تجاوزه إلى أهل الكتاب فيكون تعريضا لهم بالشرك أو عدم الانقياد له تعالى باتباع ملة إبراهيم، والجملة عطف على * (آمنا) * (البقرة: 136) وذلك يقتضي دخولة صبغة الله في مفعول * (قولوا) * (البقرة: 136) لئلا يلزم الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالأجنبي، وإيثار الجملة الاسمية للاشعار بالدوام، ولمن نصب * (صبغة) * على الإغراء أو البدل أن يضمر (قولوا) قبل هذه الجملة معطوفا على الزموا على تقدير الإغراء، وإضمار القول سائغ شائع، والقرينة - السياق - لأن ما قبله مقول المؤمنين وأن يضمر اتبعوا في * (بل ملة إبراهيم) * (البقرة: 135) لانتبع ويكون * (قولوا آمنا) * بدلا من * (اتبعوا) * بدل البعض لأن الإيمان داخل في اتباع ملة إبراهيم فلا يلزم الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، ولا بين البدل والمبدل منه بالأجنبي وما قيل: إنه يلزم الفصل ببدل الفعل بين المفعول، والمبدل منه ففيه أن * (قولوا) * ليس بدلا من الفعل فقط بل الجملة بدل من الجملة فلا محذور، وأما القول - بأنه يمكن أن تجعل هذه الجملة حالا من لفظة الله في قوله سبحانه: * (ومن أحسن من الله صبغة) * (البقرة: 138) أي صبغته بتطهير القلب أو الإرشاد أو حفظ الفطرة أحسن الاصباغ حال إخلاص العبادة له - فليس بشيء كما لا يخفى.
* (قل أتحآجوننا فى الله وهو ربنا وربكم ولنآ أعم‍النا ولكم أعم‍الكم ونحن له مخلصون) * * (قل أتحآجوننا) * تجريد الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لما أن المأمور به من الوظائف الخاصة به عليه الصلاة والسلام، والهمزة للإنكار، وقرأ زيد والحسن وغيرهما بادغام النون أي تجادلونا.
* (في الله) * أي في دينه وتدعون أن دينه الحق اليهودية والنصرانية وتبنون دخول الجنة والاهتداء عليهما، وقيل: المراد في شأن الله تعالى واصطفائه نبيا من العرب دونكم بناءا على أن الخطاب لأهل الكتاب وسوق النظم يقتضي أن تفسر المحاجة بما يختص بهم، والمحاجة في الدين ليست كذلك والقرينة على التقييد قوله سبحانه قبل: * (وما أنزل إلينا) * (البقرة: 136) وبعد * (ومن أظلم ممن كتم شهادة) * (البقرة: 140) حيث إنه تعريض بكتمان أهل الكتاب شهادة الله سبحانه بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وما روي في سبب النزول أن أهل الكتاب قالوا الأنبياء كلهم منها فلو كنت نبيا لكنت منا فنزلت، ولا يخفى عليك أن المحاجة في الدين على ما ذكرنا مختصة بهم على أن ظاهر السوق يقتضي ذمهم بما صار دينا لهم وشنشنة فيهم حتى عرفوا فيه، ومشركو العرب وإن حاجوا في الدين
(٣٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 » »»