كلمة - كل - أو مع النفي، نص على ذلك أبو علي وغيره من أئمة العربية، وهذا غير - الأحد - الذي هو أول العدد في قوله تعالى: * (قل هو الله أحد) * (الإخلاص: 1) وليس كونه في معنى الجماعة من جهة كونه نكرة في سياق النفي - على ما سبق - إلى كثير من الأوهام، ألا ترى أنه لا يستقيم لا نفرق بين رسول من الرسل إلا بتقدير عطف أي رسول ورسول، و * (لستن كأحد من النساء) * (الأحزاب: 32) ليس في معنى - كامرأة منهن - انتهى. وأنت - بعد التأمل - تعلم أن ما ذكره العلامة لا يرد على ذلك البعض، وإنما ترد عليه المخالفة في الأصالة وعدمها فقط - ولعل الأمر فيها سهل - على أن دعوى عدم تلك الاستقامة إلا بذلك التقدير غير مجمع عليه، فقد ذكر في " الانتصاف " أن النكرة الواقعة في سياق النفي تفيد العموم لفظا عموما شموليا حتى ينزل المفرد فيها منزلة الجمع في تناوله - الآحاد - مطابقة، لا كما ظنه بعض الأصوليين من أن مدلولها بطريق المطابقة في النفي كمدلولها في الإثبات، وجعل هذا التعدد والعموم وضعا هو المسوغ لدخول (بين) عليها هنا، ومن الناس من جوز كون (أحد) في الآية بمعنى واحد، وعمومه بدلى، وصحة دخول (بين) عليه باعتبار معطوف قد حذف لظهوره * (بين أحد منهم) * وغيره، وفيه من الدلالة على تحقق التفريق بين كل فرد فرد منهم، وبين من عداه كائنا من كان ما ليس في أن يقال: (لا نفرق) بينهم، - ولا يخفى ما فيه - والجملة حال من الضمير في * (آمنا) * * (ونحن له مسلمون) * أي خاضعون لله تعالى بالطاعة، مذعنون بالعبودية، وقيل: منقادون لأمره ونهيه، ومن جعل الضمير المجرور لما تقدم ذكره من الأنبياء فقد أبعد، والجملة حال أخرى، أو عطف على * (آمنا) *.
* (فإن ءامنوا بمثل مآ ءامنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم فى شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) * * (فان ءامنوا بمثل ما ءامنتم به فقد اهتدوا) * متعلق بقوله سبحانه: * (قولوا آمنا) * (البقرة: 136) الخ، أو بقوله عز شأنه: * (بل ملة إبراهيم) * (البقرة: 135) الخ، و - إن - لمجرد الفرض والكلام من باب الاستدراج وإرخاء العنان مع الخصم حيث يراد تبكيته، وهو مما تتراكض فيه خيول المناظرين - فلا بأس بحمل كلام الله تعالى عليه - يعني نحن لا نقول: إننا على الحق وأنتم على الباطل، ولكن إن حصلتم شيئا مساويا لما نحن عليه مما يجب الإيمان أو التدين به فقد اهتديتم ومقصودنا هدايتكم كيفما كانت، والخصم إذا نظر بعين الإنصاف في هذا الكلام وتفكر فيه علم أن الحق ما عليه المسلمون لا غير، إذ لا مثل لما آمنوا به، وهو ذاته تعالى وكتبه المنزلة على أنبيائه - ولا دين كدينهم؛ ف * (آمنوا) * متعدية - بالباء - و - مثل - على ظاهرها، وقيل: * (آمنوا) * جار مجرى اللازم - والباء - إما للاستعانة والآلة والمعنى إن دخلوا في الإيمان بواسطة شهادة مثل شهادتكم قولا واعتقادا * (فقد اهتدوا) * أو فإن تحروا - الإيمان - بطريق يهدي إلى الحق مثل طريقكم، فإن وحدة المقصد لا تأبى تعدد الطرق، كما قيل: الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق، والمقام مقام تعيين الدين الحق لا مقام تعيين شخص الطريق الموصول إليه ليأتي هذا التوجيه، وإما زائدة للتأكيد؛ و * (ما) * مصدرية؛ وضمير * (به) * لله، أو لقوله سبحانه: * (آمنا بالله) * (البقرة: 136) الخ بتأويل المذكور، أو للقرآن، أو لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى: فإن آمنوا بما ذكر مثل إيمانكم به، وإما للملابسة، أي فآمنوا متلبسين بمثل ما آمنتم متلبسين به، أو فإن آمنوا إيمانا متلبسا بمثل ما آمنتم إيمانا متلبسا به من الاذعان والاخلاص وعدم التفريق بين الأنبياء عليهم السلام، وقيل: المثل مقحم كما في قوله تعالى: * (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله) * (الأحقاف: 10) أي عليه، ويشهد له قراءة أبي * (بالذي آمنتم به) * وقراءة ابن عباس * (بما آمنتم به) * وكان رضي الله تعالى عنه يقول: اقرءوا ذلك فليس لله تعالى مثل، ولعل ذلك محمول على التفسير لا على أنه أنكر القراءة