تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٩١
* (ما تعبدون من بعدي) * أي أي شيء تعبدونه بعد موتي ف * (ما) * في محل رفع والعائد محذوف وكونه في محل نصب على المفعولية مفوت للتقوى المناسب للمقام؛ ويسأل بها عن كل شيء فإذا عرف خص العقلاء ب (من) إذا سئل عن تعينه فيجاب بما يفيده، وإذا سأل عن وصفه قيل (ما) زيد أكاتب أم شاعر، وفي السؤال عن حالهم بعد موته دليل على أن الغرض حثهم على ما كانوا عليه حال حياته من التوحيد والإسلام، وأخذ الميثاق منهم عليه فليس الاستفهام حقيقيا وكان هذا بعد أن دخل عليه السلام مصر ورأى فيها من يعبد النار فخاف على ولده فحثهم على ما حثهم. * (قالوا نعبد إلهك وإل‍اه ءابائك إبراهيم وإسم‍اعيل وإسح‍اق) * استئناف وقع جوابا لسؤال نشأ عن حكاية السؤال وفي إضافة الإله إلى المتعدد إشارة إلى الاتفاق على وجوده وألوهيته وقدم إسمعيل في الذكر على إسحق لكونه أسن منه وعده من آباء يعقوب مع أنه عمه تغليا للأكثر على الأقل، أو لأنه شبه العم بالأب لانخراطهما في سلك واحد وهو الأخوة فأطلق عليه لفظه، ويؤيده ما أخرجه الشيخان " عم الرجل صنو أبيه " وحينئذ يكون المراد - بآبائك - ما يطلق عليه اللفظ كيلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، والآية على حد ما أخرجه ابن أبي شيبة وغيره من قوله عليه الصلاة والسلام: " احفظوني في العباس فإنه بقية آبائي " وقرأ الحسن (أبيك) وهو إما مفرد وإسمعيل وإسحق عطف نسق عليه وإبراهيم وحده عطف بيان، أو جمع وسقطت نونه للإضافة كما في قوله: فلما (تبين) أصواتنا * بكين وفديننا بالأبينا * (إل‍اها واحدا) * بدل من * (إله آبائك) * والنكرة تبدل من المعرفة بشرط أن توصف كما قوله تعالى: * (بالناصية * ناصية كاذبة) * (العلق: 15، 16) والبصريون لا يشترطون فيها ذلك، وفائدة الإبدال دفع توهم التعدد الناشىء من ذكر الإله مرتين، أو نصب على المدح أو الحال الموطئة كما في " البحر " * (ونحن له مسلمون) * أي مذعنون مقرون بالعبودية، وقيل: خاضعون منقادون مستسلمون لنهيه وأمره قولا وعقدا، وقيل: داخلون في الإسلام ثابتون عليه، والجملة حال من الفاعل، أو المفعول، أو منهما لوجود ضميريهما، أو اعتراضية محققة لمضمون ما سبق في آخر الكلام - بلا كلام - وقال أبو حيان: الأبلغ أن تكون معطوفة على * (نعبد) * فيكونوا قد أجابوا بشيئين وهو من باب الجواب المربي عن السؤال.
* (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تس‍الون عما كانوا يعملون) * * (تلك أمة قد خلت) * الإشارة إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأولاده، و - الأمة - أتت بمعان، والمراد بها هنا الجماعة من أم بمعنى قصد، وسميت كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان بذلك لأنهم يؤم بعضهم بعضا ويقصده، و - الخلو - المضي وأصله الانفراد.
* (لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) * استئناف أو بدل من قوله تعالى: * (خلت) * لأنها بمعنى لا تشاركونهم وهي كغير الوافية وهذه وافية بتمام المراد، أو الأولى صفة أخرى - لأمة - أو حال من ضمير * (خلت) * والثانية جملة مبتدأة، إذ لا رابط فيها ولا مقارنة في الزمان، وفي الكلام مضاف محذوف بقرينة المقام، أي لكل أجر عمله، وتقديم المسند لقصر المسند إليه على المسند، والمعنى أن انتسابكم إليهم لا يوجب انتفاعكم بأعمالهم، وإنما تنتفعون بموافقتهم واتباعهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: " يا معشر قريش، إن أولى الناس بالنبي المتقون، فكونوا بسبيل من ذلك، فانظروا أن لا يلقاني الناس يحملون الأعمال، وتلقوني بالدنيا فأصد عنكم بوجهي " ولك أن تحمل الجملة الأولى: على معنى - لها ما كسبته - لا يتخطاها إلى غيرها، والثانية: على معنى
(٣٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 ... » »»