تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١ - الصفحة ٣٨٨
بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام؛ فقال لهما: قد علمتما أن الله تعالى قال في التوراة: إني باعث من ولد إسمعيل نبيا اسمه أحمد، فمن آمن به فقد اهتدى ورشد، ومن لم يؤمن به فهو ملعون، فأسلم سلمة وأبي مهاجر، فنزلت * (ولقد اصطفين‍اه في الدنيا) * (البقرة: 130) أي اخترناه بالرسالة بتلك الملة، واجتبيناه من بين سائر الخلق، وأصله اتخاذ صفوة الشيء أي خالصه.
* (وإنه في الآخرة لمن الص‍الحين) * أي المشهود لهم بالثبات على الاستقامة والخير والصلاح، والجملة معطوفة على ما قبلها، وذلك من حيث المعنى دليل مبين لكون - الراغب عن ملة إبراهيم سفيها - إذ الاصطفاء والعز في الدنيا غاية المطالب الدنيوية - والصلاح - جامع للكمالات الأخروية ولا مقصد للإنسان الغير - السفيه - سوى خير الدارين، وأما من حيث اللفظ فيحتمل أن يكون حالا مقررة لجهة الإنكار - واللام لام الابتداء - أي أيرغب عن ملته ومعه ما يوجب عكس ذلك، وهو الظاهر لفظا لعدم الاحتياج إلى تقدير القسم - وارتضاه الرضي - ويحتمل أن يكون عطفا على ما قبله، أو اعتراضا بين المعطوفين - واللام - جواب القسم المقدر وهو الظاهر معنى لأن الأصل في الجمل الاستقلال ولإفادة زيادة التأكيد المطلوب في المقام والإشعار بأن المدعي لا يحتاج إلى البيان، والمقصود مدحه عليه السلام وإيراد الجملة الأولى: ماضوية لمضيها من وقت الإخبار، والثانية: اسمية لعدم تقييدها بالزمان لأن انتظامه في زمرة صالحي أهل الآخرة أمر مستمر في الدارين لا أنه يحدث في الآخرة، والتأكيد بأن واللام لما أن الأمور الأخروية خفية عند المخاطبين فحاجتها إلى التأكيد أشد من الأمور التي تشاهد آثارها، وكلمة (في) متعلقة ب (الصالحين) على أن - أل - فيه للتعريف لا موصولة ليلزم تقديم بعض الصلة عليها على أنه قد يغتفر في الظرف ما لا يغتفر في غيره، أو بمحذوف أي صالح أو أعني، وجعله متعلقا ب (اصطفيناه) وفي الآية تقديم وتأخير، أو بمحذوف حالا من المستكن في الوصف بعيد.
* (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب الع‍المين) * ظرف - لاصطفيناه - والمتوسط المعطوف ليس بأجنبي لأنه لتقدير المتعلق المعطوف تأكيده لأن اصطفاءه في الدنيا إنما هو للرسالة وما يتعلق بصلاح الآخرة فلا حاجة إلى أن يجعل اعتراضا أو حالا مقدرة كما قيل به، أو تعليل له، أو منصوب ب (اذكر) كأنه قيل: اذكر ذلك الوقت لتفق على أنه المصطفى الصالح وأنه ما نال ما نال إلا بالمبادرة والانقياد إلى ما أمر به وإخلاص سره حين دعاه ربه، وجوز جعله ظرفا ل‍ * (قال) * وليس الأمر وما في جوابه على حقيقتهما بل هو تمثيل، والمعنى أخطر بباله الدلائل المؤيدة إلى المعرفة، واستدل بها وأذعن بمدلولاتها إلا أنه سبحانه وتعالى عبر عن ذلك بالقولين تصويرا لسرعة الانتقال بسرعة الإجابة فهو إشارة إلى استدلاله عليه السلام بالكوكب والشمس والقمر واطلاعه على أمارات الحدوث على ما يشير إليه كلام الحسن وابن عباس من أن ذلك قبل النبوة وقبل البلوغ، ومن ذهب إلى أنه بعد النبوة قال: المراد الأمر بالطاعة والإذعان لجزئيات الأحكام والاستقامة والثبات على التوحيد على حد * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * (محمد: 19) ولا يمكن الحمل على الحقيقة أعني إحداث الإسلام والإيمان لأن الأنبياء معصومون عن الكفر قبل النبوة وبعدها ولأنه لا يتصور الوحي والاستنباء قبل الإسلام نعم إذا حمل الإسلام على العمل بالجوارح لا على معنى الإيمان أمكن الحمل على الحقيقة - كما قيل به - وفي الالتفات مع التعرض لعنوان الربوبية والإضافة إليه عليه السلام إظهار لمزيد اللطف به والاعتناء بتربيته، وإضافة الرب في الجواب إلى * (العالمين) * للإيذان بكمال قوة إسلامه حيث أتقن حين النظر شمول ربوبيته تعالى للعالمين قاطبة لا لنفسه فقط كما هو المأمور به ظاهرا.
* (ووصى بهآ إبراهيم بنيه ويعقوب ي‍ابنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) *
(٣٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 ... » »»